العدد 2756
الأحد 01 مايو 2016
banner
لا شيء أهم من راحة البال
الأحد 01 مايو 2016

لا أعرف لماذا نأخذ إجازات ونتعب فيها؟ لماذا نتخيل الحياة فقط صراعا وسباقا وركضا وراء المال والنفوذ والمنصب؟ ولا نتوقف برهة نتأمل فيها صحتنا وراحتنا واستقرارنا بعيدا عن احتدام المصالح الذاتية الضيقة التي تجعل المرء من شدة لهفته على المصالح يقع في الأخطاء والكوارث ويخسر صحته ومصالحه، اليس الإنسان في أحيان كثيرة مغفلا يدمر نفسه بنفسه؟ على العموم قلت إن اليوم إجازة فليكن موضوعنا خفيفاً على العقل والقلب ولنأخذ اجازة من السياسة والأخبار الدمرة.
راحة البال التي يبحث عنها الإنسان موجودة بالقرب منه ولكنه يبحث عنها في أعالي الجبال وعبر المحيطات والغابات والعيادات النفسية التي تتمثل في زيارة الاطباء وشراء الأدوية والسعي لامتلاك الأموال والصراع من اجل الوظائف والمراكز وكل هذه الحروب الطويلة يمكن للإنسان ان يوفرها على نفسه وفي نفس الوقت يحقق كل المتطلبات والاحتياجات والنجاحات بشيء من البساطة والعفوية ومن دون هذا الطريق الطويل لو أحسن الاختيار للوقت والأصدقاء والمناسبات وطوع الظروف من غير أن يسيء الى الآخرين أو يقفز عليهم أو يدخل معهم في حروب عقيمة، استغرب من أولئك الذي يقضون حياتهم في المحاكم بين رفع دعاوى أو تلقي إحضاريات، كيف لهم أن يشعروا براحة البال؟
السعادة يمكننا أن نلتقيها في كل ما حولنا وفي كل المجالات والقطاعات والممارسات لو أحسنا العمل في هذه المجالات حتى في عالم السياسة وعالم المال وعالم الوظائف والأعمال تكمن السعادة في هذه الأمكنة من دون ان يخسر الانسان سمعته وطهارته وشرفه ومن غير ان يلطخ يده بأي من الممارسات غير السوية. ففي عالم السياسة يمكن ان يعمل مع الآخرين من غير كذب ونفاق ومن دون لف ودوران، وخصوصا الكذب الذي أصبح اليوم آفة عالم السياسة التي اختلطت بالنفاق والدين وعدم المصداقية فأصبح من الطبيعي ان ترى الزعيم السياسي والنائب البرلماني ورئيس هذه الكتلة او أمين عام تلك الجمعية يكذب في مختلف المناسبات من دون ان يطرف له جفن وعلى صفحات الجرائد وفي الفضائيات والاذاعات والندوات ويصدر الاكاذيب والناس من حوله تدرك وتعرف ان هذه الأكاذيب قديمة، مع العلم تراه يشتكي لمن حوله ولمن يحيطون به عن حالة القلق والتوتر والأمراض النفسية والجسدية التي يعاني منها، خصوصا تلك المتعلقة بضغط الدم والسكر والقلب، ولا يجد هذا الانسان السعادة في الصدق والبساطة والعفوية الا بعد سنوات من التجارب والامراض ومن المعاناة ولو انه اكتشف هذا العالم الجميل مبكرا لوفر عليه الكثير من الوقت والجهد وحافظ على الصحة مع مسحة من السعادة التي قضى دهرا في البحث عنها بالوسائل الخادعة.
من منا لم تدركه وعكة أو ضغط الحياة أو ضجر من الحياة ومن الناس حوله؟ ومن منا لا يتعرض في اليوم الواحد للكثير من الاشكالات والتدخلات وسخافة الآخرين؟ ولكن بشيء من البساطة والعفوية وتجاهل كل ما يسيء سوف يجتاز المرء كل العقبات مهما كانت ولكن السؤال  من يستخدم العقل في كل ذلك بدلاً من المشاعر والعواطف المتسرعة الجياشة التي تحكم تصرفاتنا منذ لحظة الصباح الاولى التي نفتح فيها عيوننا على النهار حتى المساء حين نضع كرة الرأس على الوسائد.
حياتنا تغيرت في السنوات الأخيرة وتغيرت معها النفوس والمشاعر والافكار. وبدلاً من الحب والتعاضد والتآزر سيطرت المنافسة الشرسة والأنانية والطائفية على النفوس ولا أمل في استعادة كل هذه البساطة والسعادة الا بمرور الزمن والتعلم من التجارب واكتساب المعاناة التي لا داعي لها أصلاً  للوصول الى اكتشاف السعادة التي هي حولنا وأقرب مما نتصور، لو بحثنا عنها في المكان الصحيح، وللأسف الشديد حتى الدين السياسي أصبح واحداً من الأمور التي نعاني منها بعد ان كان الدين محبة الله والناس والذات.

ظل:
 الرياح القوية تجبرك على تغيير مسارك لكنها لا تفرض عليك تغيير محطتك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .