العدد 2750
الإثنين 25 أبريل 2016
banner
175 دولة ودرجتان
الإثنين 25 أبريل 2016

بينما اعتبر “اتفاق باريس” للتغير المناخي الذي وقعته 175 دولة في العالم، ومن بينها بعض من الدول الكبرى، والمنتجة للملوثات المتسببة في “الاحترار” أو “الاحتباس الحراري”، أو بشكل أقل دبلوماسية: الدول المساهمة بشكل أساسي في دمار الكرة الأرضية؛ أنه من النجاحات التي يمكن أن ترفع بعضاً من القلق والتوتر عن كاهل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لأن هذا الاتفاق يعدّ نصراً له ونجاحاً لواحدة من أعقد المهمات التي تمسّ مسقبل البشرية جمعاء في العقود المقبلة، إذا ما أرادت البشرية أن تحيا لمدة أطول على هذا الكوكب؛ فإن القسم الأكبر من صحافتنا المحلية، مرّت عليه مروراً عابراً.
ففي حين لا يزال حبر ممثل جلالة الملك طازجاً في نيويورك وهو يوقع “اتفاق باريس”؛ كانت الصفحات الأولى من أكثر صحفنا مشغولة في مماحكات النواب والجمهور في مسألة ملاحقات المغردين، ومساواة توظيف البحرينيين من مكتسبي الجنسية حديثاً والذين توارثوها كابراً عن كابر، وموضوع الحد الأدنى لأجور المتقاعدين، وأخبار رياضية أخرى، وبعض الأخبار الخفيفة التي لا تمت إلينا في البحرين بصلة، كلها تمطّت على امتداد الصفحات الأولى لصحفنا اليومية في نظرة لما تحت الأقدام، وليس إلى ما يتراءى من مشاكل كبرى تلوح في الأفق الدولي لتعمّ الأرض جميعاً، وكأننا لسنا من هذا الكوكب، أو أن هناك من تقع عليه مسؤولية الحل والعقد، ليريحنا من عناء التفكير والتدبير.
لن أذيع سراً، أو أخون مقولة “المجالس أسرار”، وغيرها من العبارات التراثية، إن قلت إن البحرين تقع في حزام الخطر البيئي من ارتفاع درجات الحرارة، فكونها أرخبيلاً من الجزر، فإنها واحدة من أكثر الدول الصغيرة المعرضة أراضيها للغمر. فقد جاءت دراسة طلابية أجريت في جامعة البحرين مؤخراً، لتؤكد أن البحرين مهددة بفقدان ما بين 11 إلى 14 % من مساحتها اليابسة إذا ما ارتفع منسوب مياه البحر بسبب الدفيئة في العالم، وبالتأكيد هناك الكثير من الدراسات الأخرى الخاصة بالبحرين أو بما يشابهها من الجزر الأخرى ومن أشهرها جزر فيجي والمالديف التي اجتمع مجلس وزرائها تحت الماء في العام 2009 للتعبير عن قلقهم من أن يكون هذا حالهم في السنوات المقبلة، إن لم تتخذ دول العالم المتسببة في انبعاثات غازات الدفيئة، وأهمها الصين والولايات المتحدة المسؤولتان عن نحو 38 في المئة من الانبعاثات على مستوى العالم، خطوات جادة لمنع تزايد الحرارة التي ستشهدها الأرض خلال القرن المقبل إذا ما استمر انبعاث الغازات الحرارية بنفس المعدل سيكون الأعلى في تاريخ الكوكب، إذ ستصل درجة الحرارة آنذاك إلى حدٍّ لم تشهده الكرة الأرضية إلا مرة واحدة قبل 50 مليون عاما.
ويجمع العلماء على أن أهم التهديدات التي تواجه البشرية إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من نفث الملوثات، سيتمثل في ذوبان الجليد ما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وغرق الجزر المنخفضة والمدن الساحلية، وازدياد الفيضانات، وحدوث موجات جفاف وتصحر مساحات كبيرة من الأرض، وزيادة عدد وشدة العواصف والأعاصير، وانتشار الأمراض المعدية في العالم بتحرك الأمراض المستوطنة والأوبئة كحمى الضنك والتيفود والملاريا في المناطق الدافئة إلى المناطق الباردة نتيجة اتساع المساحات التي تتصف بارتفاع درجات الحرارة، وانقراض العديد من الكائنات الحية، وحدوث كوارث زراعية وفقدان بعض المحاصيل، احتمالات متزايدة بوقوع أحداث متطرفة في الطقس، أي أكثر تطرفاً مما نلاحظه اليوم، خصوصاً أن الأمم المتحدة أشارت إلى أن الشهور العشرة الماضية هي الأكثر حرارة على الإطلاق منذ 137 عاماً، ناهيك عن ارتفاعات محتملة لحرائق رئات العالم (الغابات).
ما الذي نريده أيضاً كي نلتفت إلى هذا الشأن الخطير الذي يمكنه أن يؤجل جميع صراعاتنا على توافه الأمور، وسواقط القضايا التي لن تكون لها قيمة في مقابل حياة الإنسان وصحته بل ووجوده على هذه البسيطة؟!
صحيح أن البحرين أصغر من أن تحدث تأثيراً ملموساً في الانسياق العالمي نحو التدهور البيئي، ولكن هذا الموضوع ينطبق على برامج الترشيد التي يجب فيها على الفرد أن يبدأ بنفسه بدلاً من التذمر بأن يجب أن يبدأ الآخرون أولاً. إذ كشف تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية في مؤتمره السنوي الخامس حول خيارات البقاء والبصمة البيئية في البلدان العربية (2012) أن البحرين تعتبر من أسوأ البلدان العربية في البصمة البيئية. ففي حين يبلغ معدل البصمة البيئية للفرد في البحرين 6 هكتارات عالمية، فإن البصمة البيئية العالمية للفرد تبلغ 2,7 هكتار عالمي، أي أن بصمتنا ونحن الأرخبيل الصغير عالمياً تساوي ضعفين ونصف الضعف لما تبلغه البصمة البيئية لأي فرد في العالم. فقد سجلت هيئة الكهرباء والماء في العام نفسه (2012) استهلاك الفرد في البحرين من الماء يوميا المعدل العالمي للاستهلاك بنسبة تصل إلى 40 %، حيث يصل معدل استهلاك الفرد البحريني إلى 272 لتر ماء، بينما يقل عنه المعدل العالمي ليتراوح بين 160-180 لتراً، والمعروف أن 70 % من مياه البحرين تأتي محلاة من ماء البحر، أي أن ارتفاع الاستهلاك يعني ارتفاع إنتاج المياه المحلاة، أي المزيد من الطاقة الأحفورية المستخدمة في هذه العملية. والسلسلة من المقارنات تطول في استهلاك الكهرباء، وإنتاج الفرد للقمامة وغيرها.
كل الحشد العالمي في مقر الأمم المتحدة منذ يومين كان من أجل كبح ارتفاع درجتين حراريتين فقط، والمناقشات في هذا الشأن كانت تجري منذ ما يزيد عن الربع قرن، والدول الأضعف بيئياً، ومنها البحرين، كانت تحتاج إلى جهود دبلوماسية كثيفة في الخارج، لحشد التأييد من أجل ألا يقع عليها الضرر، وجهود داخلية دؤوبة للتوعية لعدم الضغط على الموارد، والتقليل من الاستهلاك بأنواعه، والكف عن الضغط على البيئة لننعم بالمتبقي منها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .