العدد 2748
السبت 23 أبريل 2016
banner
الليبرالية الملعونة
السبت 23 أبريل 2016



لقد مر العالم العربي بالكثير من المنعطفات التاريخية الخطيرة مثله مثل كل شعوب العالم التي استطاعت بعد صراعات سياسية وعسكرية ان تشكل دولها وتخرج من نفقها المظلم وتتغلب على عنصريتها وتطرفها الديني ودكتاتورياتها.
ولم يكن عبور النفق هذا سهلا فقد جاء بعد ثورات داخلية وحروب خارجية راح ضحيتها ملايين البشر، ولكن وبعد حربين كونيتين وصل العالم المتقدم الى قناعة ان الحرية والعدالة الاجتماعية والأمن الاجتماعي لا يمكن ان يكون دون ديمقراطية حقيقية تحميها قوانين تخدم الديمقراطية. إن السلطة تغوي وتقود للتسلط والدكتاتورية وهذا ما حدث لنابليون الذي طغى وبعده هتلر الذي قام بما لم يقم به حاكم منتخب من قبل حيث جعل الإبادة البشرية لأجناس معينة عدالة.
ولعل هذه الأمثلة الصاعقة التي مازالت تخلق الرعب في قلوب الأوروبيين وتشعرهم بالخزي والعار، هي التي جعلتهم حريصين على الديمقراطية وحقوق الإنسان خوفا من تكرار هذه التجارب غير الإنسانية. وإذا كان العالم الأوروبي الذي يعيش أزهى مراحله التاريخية، ويزهو بتنوعه الثقافي وتقدمه الاقتصادي والسياسي وتغلبه على عنصريته وتقبله المختلف، قد استطاع أن يسيطر على مفاصل العالم ويتحكم في ثرواته ويجير كل الأمور لصالحه.
بينما العالم العربي مازال غارقا في ظلامه يتخبط هنا وهناك فأضاع بوصلته في اللحظة التاريخية التي اضاع فيها هويته. ومازلنا نعيش نفس الحالة بعد مرور ما يقارب القرن على انهزام الامبراطورية العثمانية وتحرر العالم العربي منها ليقع في براثن الاستعمار الاوروبي الذي قسم العالم العربي الى دول ضعيفة تتقاتل فيما بينها. ورغم كل الثورات التحررية إلا ان هذه الثورات ايضا فشلت في خلق هوية عربية جامعة او حتى دول عربية متقدمة. ويتساءل الكثيرون لماذا لم تحض الدول العربية بما حضيت به الدول الغربية بعد تحولها لدول قومية. رغم كل الثورات على المستعمر والاستقلال ورغم كل الثروات الطبيعية التي تمتلكها، والمد البشري الهائل المكون اغلبه من فئة الشباب. ليس من السهل ان نحصر السبب في الأمية والفقر والاقتصاد الريعي، فرغم انها اسباب مهمة مثل “الاستعمار، الهيمنة الاقتصادية – سلب الحريات – نقص العدالة.. الخ”، إلا انها لم تقف يوما امام الدول والشعوب التي ارادت ان تتقدم للأمام. تجد بعض الدول العربية يتنافس شعبها في العلم، وبعضها متقدم في الرفاه الاقتصادي. ما يجمع الدول العربية ويجرها للخلف هو رفض شعوبها الديمقراطية وحتى الانظمة السياسية التي اعقبت الثورات على المستعمر رفضت الديمقراطية واعتبرتها وباء يجب القضاء عليه. ولا تألوا جهدا في التحذير من الديمقراطية ربيبة الليبرالية واعتبارها كفرا يجب تجنبه. وأغلب الشعب العربي بكل تنوعاته لا يجد غضاضة في التعامل مع الدول الديمقراطية والتمتع بخيراتها العلمية والثقافية وتكنولوجيتها التي لا يستطيع ان يعيش بدونها لكنه لا يجد غضاضة في لعن وسب ليبراليتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .