العدد 2747
الجمعة 22 أبريل 2016
banner
رؤيا مغايرة فاتن حمزة
فاتن حمزة
“فلمــا اشتــد ساعــده رمانــي”!
الجمعة 22 أبريل 2016

لا أزعم أنني سأضيف جديداً في قضية الشكاوى المرفوعة من مجلس النواب على المغردين، ولكن ذكرني حماس نوابنا الأفاضل لهذه المسألة بحماسهم يوم أن أقلقوا راحتنا ليلا ونهارا، هم وأهليهم أيام الانتخابات. لم يفْتروا ولم يكلّوا وهم يطرقون أبوابنا على حساب راحتنا طمعاً في أصواتنا، مازلت أذكر تلك الصور وكيف كانت وتيرتها تزداد كلما اقتربنا من يوم الانتخابات، بل حتى يوم الانتخابات نفسه حيث كانوا يعترضون طريقنا إلى صناديق الانتخابات هم ومن سخروه لحملاتهم.
ولعل لسان حال الكثير ممن يقرأ هذه الكلمات الآن يقول: وددنا لو كنا نحن السباقين إلى الشكوى على هؤلاء الذين أزعجونا كثيراً وهم يسألوننا أن نتوسط لهم للحصول على وظيفة نائب في البرلمان.
واليوم وبعد أن انشرحت صدور نوابنا الأفاضل بما هم فيه من نعمة بفضلنا بعد الله عز وجل، ضاقت عن تقبل كلمات من صدور مكلومة وهي تجد آمالها تذهب أدراج الرياح وبيد من كان أملا في تحقيقها. وكأنهم لم يقرأوا  قول الله عز وجل (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ) (النساء : 148)، وليتهم يقفون طويلا عند “ ِلاَّ مَن ظُلِمَ”، فهذه الآية تشفع لمواطنين جاهروا بالسوء من القول، كما يعتقد نوابنا، لأنهم حوصروا من جميع الجهات وشعروا بالظلم وكنتم أملهم، فخيبتم ظنهم.
وأستحضر من ذاكرة التاريخ قصصا لعلها تكون سلوى للمغردين، وهي تحكي الإساءة لمن أُحسن إليه. فكلنا يذكر قصة سنمار الذي بنى قصر الخورنق للملك النعمان أشهر ملوك الحيرة، وكيف أنه بعد أن أتم بناءه أمر بقذف سنمار من أعلى الخورنق حتى لا يبني نفس القصر لغيره. وأصبح ما صنعه النعمان بسنمار مثلا بين الناس، حتى قال الشاعر:
جزاني جزاه الله شرّ جزائه… جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
وفي مثال آخر تقول إحدى الأساطير أن الامبراطور شاه جيهان عقد العزم على الحؤول من دون أن ينسخ أي ملك آخر بناء تاج محل، فأمر بتقطيع أيدي بعض كبار الحرفيين الذين وضعوا مخطط البناء وساهموا في عمارته.
إن استمرار الهجوم المجتمعي والإعلامي على بعض النواب غير مستغرب وسط هذه الخيبات، والغرابة في تقديمهم شكوى على ردود افعال طبيعية تنتقد فشل أدائهم، كفاكم استهدافات وبلاغات وتخبط في قرارات حتماً ستكون لها تداعيات خطيرة للشراكة المجتمعية، خطوات هادمة تغلظ القلوب وتجدد الجروح، وتهز الثقة المتبادلة مباعدة المسافات بدل تقريبها!
لا يعني هذا اننا نقبل أو نبرر الإساءة لنوابنا الكرام، فما هم فيه من عجز لا يقل عما نشعر به من ظلم، فليس أمامهم سوى اللجوء إلى الحيل الدفاعية، تلك الوسائل التي يلجأ إليها الإنسان لتقليل مشاعر الإحباط، ليس أمامهم سوانا الحلقة الأضعف ليستردوا من خلالنا شيئاً من ثقتهم المفقودة ومعها هيبتهم، حتى أصبحوا اليوم عالة على أنفسهم وعلينا.
لقد قدم النواب بلاغاتهم ضد مواطنين حفاظاً على الوحدة الوطنية، كما يزعمون، السؤال إذاً.. ما تفسير الشتم وتكرار التلفظ بكلمات استفزازية في المجلس؟! هل هي لغة حضارية من نوابنا الأفاضل لتحقيق الوحدة والتكاتف والتلاحم التي يطالبون بها!
أحيي إصرار وحماس كل نائب في الملاحقة والمحاسبة وممارسة حقه ومسؤوليته القانونية التي كفلها له القانون والدستور، ولكن كم كنا نتمنى، بعد أن يشتد ساعدهم، أن يمارسوا حقهم بأساليب أكثر حضارية، واستغلال صلاحياتهم في محاسبة المقصرين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .