العدد 2734
السبت 09 أبريل 2016
banner
وسائل التواصل الحديثة
السبت 09 أبريل 2016



يدخل العالم الألفية الثانية عبر طفرات تكنولوجية أدت إلى تغيرات سريعة في حياة الناس داخل المجتمعات العربية بل العالمية كافة، ولعل أكثر تلك الطفرات تأثيرا في الحياة الاجتماعية ما تشهده أدوات التواصل الاجتماعي على كل الأصعدة، وليس فقط ما شهدناه من سرعة انتقال الرسائل البريدية عبر الشبكة العنكبوتية، وإنما ظهور وسائل للتواصل فاقت تلك المتطلبات التي تفرضها اللغة التي تصاغ بها الرسائل إلى ما نعرف من الواتس أب والفيس بوك والتويتر وما بات يغزو الشبكة من برامج الاتصال السمعي التي كانت تحتكره شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية وخصوصا في الجانب العابر للحدود القومية.
لم تشكل تلك الطفرات انتباها للعامة فيما يتعلق بنسق المفاهيم الثقافية التي صاحبت تلك التطورات المتعددة، ولعلها لم تدخل أفق المفكر فيه بعناية من قبل ليس العامة فقط وإنما مجال المثقفين الصانعين للثقافة المحلية، ويبدو ان هناك تناقضا واضحا بين ما أخذناه من التراث العربي الإسلامي وبين ما بات يمارس في الحياة اليومية عبر وسائل الاتصال الحديثة، فيمكن أن نرى قيما مذمومة مثل الغيبة والنميمة وغيرها مما نسميه في لهجتنا العامية (كلام الناس)، تتسيد فضاء التفكير التقليدي والمتناسب مع نقل الخبر عبر الشفاهة، متناسبة أيضا مع ضعف وسائل المواصلات التي كانت سائدة قبل مئة سنة أو يزيد قليلا أو يقل.
صحيح ان مثل تلك القيم التي ترفض وتذم الغيبة والنميمة ضمن سلسلة القيم العربية الاسلامية التي تبحث عن الصدق والنصيحة المباشرة في مقابل الكلام في الخفاء من القيم التي تحافظ على نقاء الإنسان وطهارته بدنا ولسانا، ولكن وسائل التواصل الحديثة تتميز بتلك الخصوصية التي تطرحها وسائل الاتصال باعتبارها مصانة ضمن فردانية الإنسان في القرن الواحد والعشرين، وهي ضمن حرية التعبير التي تصونها الدساتير عبر الدول وتعبر من حقوق الانسان المكفولة في العهدين الدوليين.
وأمام كل حق عادة ما يضع القانون امامه مسؤوليات تقع على كاهل الفرد والجماعة، وعلى الرغم من ذلك يحدث ان تستخدم الوسائل الحديثة للمس او الحط او الادعاء على شخص بما ليس فيه او تعمد الحط من كرامته، سواء بصفة شخصية او كجماعة اعتبارية، شركة كانت أو جماعة دينية أو عرقية أو غير ذلك. وبحكم انطلاق تلك الاساءة عبر كونها مفتوحة على الفضاء الافتراضي وإمكانية استعادتها بشكل يكاد يكون غير نهائي في بعض وسائل التواصل، فتكون أوسع وأشد ضررا من مجرد بسبسات المجالس المغلقة التي قد لا يتجاوز عدد سامعيها عدد الأصابع. ففيما سبق كانت اوسع تلك الاشكال هي التي كانت تمرر من خلال المجلات او الجرائد اليومية التي يقل او يزيد عدد قرائها والتي تغادر سريعا الذاكرة الجمعية أو عبر الوسائل السمعية والبصرية التي سرعان ما تسقط ايضا.
فيمكن اليوم ارتكاب جرائم الكترونية باتت تدخل في عرف القانون الجنائي وتدخل التحريات والمراقبة مجال الفضاء الافتراضي منذ نهايات القرن الماضي، فمن سرقة الحسابات الشخصية إلى التحرش إلى جرجرة الفتيان والفتيات إلى مصائد الذائاب البشرية إلى نشر الخلاعة.
ويمكننا التطرق هنا إلى تلك الاخبار التي لا تمس أحدا بالضرورة ولكنها تكون اخبارا كاذبة او معلومات مغلوطة قد يصدقها المحتاجون إلى الرعاية او المضطربون نتيجة اليأس من اوضاعهم مما قد يزيد عذاباتهم دون ان يدرك مطلق تلك المعلومة ما يفعله بوعي الناس وأجسادهم، خصوصا إذا ما اراد ان يعزز كلامه باسم دكتور غير معروف وبحوث غير منشورة في مجلات متخصصة او غيرها مما يعتمد على الخرافة، فرأفة بالعباد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية