على هامش الاجتماعات السنوية للهيئات المالية العربية التي تستضيفها البحرين هذه الأيام، يبرز موضوع التكامل الاقتصادي العربي كمعضلة مزمنة لم يتوفر لها الحل الناجع لغاية اليوم. فمؤشرات التكامل الاقتصادي سواء في مجال التجارة أو الاستثمارات أو المشروعات او الخدمات لا تزال متواضعة بعد مرور قرابة سبعين عاما على تأسيس الجامعة العربية. وتواضع الاستثمارات العربية البينية هو مثلا بارز على هذا التعثر.
ويؤكد تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار أن الكلفة الإجمالية لمشروعات الاستثمارات العربية البينية خلال الفترة ما بين عامي 2003 وأبريل 2015 بلغت بما يقارب 370 مليار دولار، وهي لن تتجاوز في أحسن الأحوال الـ 10 % من إجمالي الاستثمارات العربية الخارجية سواء في الولايات المتحدة وأوروبا أو آسيا وإفريقيا.
وحسب الدول المستقبلة لتدفقات الاستثمارات العربية البينية، أشار تقرير المؤسسة إلى أن مصر تصدرت قائمة الدول العربية باستحواذها على مشروعات بقيمة 99.3 مليار دولار وبحصة 26.8 % من إجمالي الاستثمارات، تلاها العراق بقيمة 35 مليار دولار وبنسبة 9.5 % ، ثم الجزائر في المرتبة الثالثة بقيمة 24.3 مليار دولار. أما بالنسبة للدول المصدرة للتدفقات الاستثمارية، فقد تصدرت الإمارات بقيمة 212.6 مليار دولار وبنسبة 57.5 % من الإجمالي تلتها البحرين في المرتبة الثانية بقيمة 49.2 مليار دولار وبحصة 13.3 %، وحلت الكويت في المرتبة الثالثة بقيمة 34.7 مليار دولار وبحصة 9.4 %.
في المقابل جاءت الإمارات كأكبر مساهم في الاستثمارات العربية في تلك الدول لعام 2014 بقيمة 521.4 مليون دولار وبحصة 26 %، تلتها الكويت بحصة 17 %، ثم السعودية 14 %، ثم البحرين 13 %.
ويؤكد تقرير المؤسسة أن الدول العربية تواجه منذ فترة العديد من التحديات التي تعوق قدرتها على جذب التدفقات الرأسمالية عموما والاستثمارات الأجنبية المباشرة على وجه الخصوص، ولاسيما بعد الأحداث التي شهدتها منذ نهاية عام 2010. ورغم تذبذب أداء المنطقة في مجال جذب الاستثمار خلال السنوات القليلة الماضية ما بين الصعود والهبوط، إلا أن متوسط حصة الدول العربية من الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد خلال الفترة 2000 - 2014 لم يتجاوز 3.6 %، وسجلت التدفقات الواردة إلى المنطقة تراجعا من 47.5 مليار دولار عام 2013 إلى 44 مليار دولار عام 2014، فضلا عن أن حصة المنطقة من إجمالي أرصدة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم بنهاية عام 2014، والمقدرة بنحو 26 تريليون دولار، لم تزد على 4 % وبقيمة إجمالية قدرها 789 مليار دولار. وتتركز هذه الاستثمارات في عدد محدود من الدول، فقد استحوذت دولتان عربيتان (السعودية والإمارات) وحدهما على 42 % من أرصدة الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى المنطقة.
إن جميع هذه المؤشرات تبين دون شك حاجة الدول العربية؛ لتقوية وتعزيز تكاملها الاقتصادي العربي والعمل على توسيع رقعة الاستفادة من مشاريع التكامل لتحسين مستوى معيشة المواطن العربي وإيجاد فرص عمل لائقة له، والدروس المستفادة من الأحداث السياسية التي شهدتها العديد من الدول العربية منذ العام 2010 لا تزال شاخصة وتبين الترابط الوثيق بين المصير المشترك لهذه الدول.