العدد 2729
الإثنين 04 أبريل 2016
banner
علامة تعجب! فؤاد الهاشم
فؤاد الهاشم
حين يصبح “البنادول”... حلمًا!
الإثنين 04 أبريل 2016



في مذكراته التي عنونها بـ”جيمس بيكر- سياسة الدبلوماسية” التي صدرت في العام 2002 يقول وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية الأسبق بيكر في إحدى صفحات كتابه إنه أثناء إحدى لقاءاته مع الرئيس السوري الراحل “حافظ الأسد” سأله عن إمكان التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل حول هضبة الجولان مقابل سلام كامل وتبادل للبعثات الدبلوماسية، فرد عليه الرئيس الأسد قائلا: “لدي رأي عام شعبي لابد أن أعود إليه وأهتم لسماع ملاحظته”!
 فيعلق جيمي بيكر على هذا الرد قائلا، بسخرية، “هذا الرجل الديكتاتور يريد إقناعي بأن لديه رأيًا عامًا يحسب له ألف حساب، وكأن الشعب السوري يستطيع أن يفتح أفواهه بأي كلمه”!
في ربيع العام 1986 كنت في زيارة قصيرة إلى دمشق بغية “التسلل” إلى لبنان في رحلة صحافية محفوفة بالمخاطر، وخلال أعنف مرحلة من مراحل الحرب الأهلية هناك - ومشوار “التسلل” عبر مركز الحدود المسمى بـ”جديده - يابوس” سنروي تفاصيله في وقت لاحق.. المهم، إن أعراض السخونة “ونزلة برد” مفاجئة شعرت ببدايتها، وحتى أدفنها قبل أن تولد وتكبر نزلت إلى “ساحة المرجة” - قلب سوريا النابض - للبحث عن صيدليه لشراء “علبة بنادول”!
وجدت واحدة، فدخلت وسألت الصيدلي عن مبتغاي فنظر إلى عيني طويلا ثم تنهد قائلا: “أنت.. خليجي”؟ فقلت له: “نعم” فأجاب: “أنا تخرجت من كلية الصيدلة منذ ثلاث سنوات، ودرست نوعا من الأدوية للصداع والإنفلونزا وتخفيف الحرارة اسمه بنادول، لكنني لم أره حتى يومنا هذا لأن الحكومة لا تسمح بالاستيراد، لذلك لدينا بديل له سوري الصنع! ثم أكمل ضاحكا: “بدك منو شي حباية والا حبايتين؟ الله وكيلك بتشفي من الانفلونزا بعد.. شهرين”!
 في ذلك العام، كان قد مضى على إدخال الخدمة الهاتفية إلى السيارات في الكويت حوالي تسع سنوات، إذ بدأت وزارة المواصلات بتقديمها في نهايات العام 1979 وبسعر ألف دينار كويتي، وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت، وحين دعاني نقيب الصحافة السوري وهو الدكتور صابر فلحوط إلى عشاء في أحد مطاعم دمشق داخل منطقة أثرية تاريخية مع مجموعة من الزملاء العاملين في صحف النظام مثل.. “البعث وتشرين وغيرها”، كان أول سؤال يسأله إلى أحدهم هو: “شو حكاية التلفونات في سياراتكم بالكويت؟ هاي الحكاية صحيح والا إشاعات من الإعلام الصهيوني الامبريالي الرجعي الرأسمالي.. العفن”؟!
الشعب السوري مسكين! عاش لنصف قرن تحت سياط حكم البعث الذي ليس لديه ما يقدمه للناس سوى الشعارات في أيام الرضا، والسياط حين يشتعل.. الغضب، وعندما أراد أن يتنفس ويفتح فمه ليقول كلمة.. “لا” ضد النظام وضد البطش وجد إن البديل هو “عمائم إيران” و”لحي داعش” و”وأمخاخ طالبان” و”ديمقراطية القرضاوي”!
في العام 2003 صدر قرار “من مخابرات - سوري” بمنعي من دخول بلدهم، مازال ساري المفعول إلى يومنا هذا، لم أكن سأعلم به لولا دعوة من سفير سلطنة عمان الشقيقة وصلتني لحضور احتفالهم بالعيد الوطني في أحد الفنادق بوسط العاصمة الكويتية، وهناك وسط كل هذا الحشد من الدبلوماسيين بمللهم ونحلهم ودولهم كافة همس في أذني دبلوماسي من السفارة السورية كنت قد التقيته مرات عدة في مناسبات عدة، فصار “أليفا” بالنسبة لي، وصرت صديقا بالنسبة له وقال لي: “أنت ممنوع من دخول سوريا، لست أنت فقط بل ذريتك من بعدك وكل فرد من عائلتك يحمل اللقب العائلي.. الأخير في جواز سفره”!
 قبل حوالي عشرين سنة أجرت الصحافية الأميركية الشهيرة “بربارا والترز” حديثا طويلا مع الراحل “حافظ الأسد” كان أبرز ما فيه حين سألته: “أنتم حزب البعث، والعراق يحكمه حزب البعث، فلماذا الاختلاف بين دمشق وبغداد إذن طالما أن من يحكم هو حزب واحد في كلا البلدين”؟!
الرئيس ضحك طويلا - كما قالت - وأجاب: “أنتِ بحاجة لأن تعيشي ثقافتنا لعقود من الزمن حتى تعرفي.. السبب”! بالطبع لم يقل لها ذلك البعثي المعتق إنه حتى العراقي في العراق والسوري في سوريا والخليجي في الخليج يعرف سببا لهذا.. الخلاف! شعار البعث: “أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة” أذابه “البغدادي” في كأس وشربة مع ملالي إيران وشياطين أميركا وأفاعي.. بني قريضة! إن كان البنادول قد صار حلما مع “البعث” فكيف بالحرية والديمقراطية؟!

آخر العمود:
بالملح تصلح ما تخشى تغيره.. فكيف بالملح إن حلت به الغيَرُ؟!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .