العدد 460
الأحد 17 يناير 2010
banner
نعم... يشجعون الابتكار يا صاحب السمو
الجمعة 19 أبريل 2024

“أنا معجب بالتقدم في الولايات المتحدة الأميركية... فيها أشياء كثيرة ممتازة من الطب والعلم وحماية الحقوق الفردية وقدرة تشجيع الابتكار والحصول على التمويل السريع لتحويل الأفكار إلى واقع، ويجب ألا ننسى أن اكبر اقتصاد في العالم اليوم هو اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية وليس ذلك مصادفة، ولم يأت من عبث، هذا جاء من نظام هيكلي مركب على بعضه بعضا يؤدي إلى هذه النتيجة.”
عندما سمعت هذا الكلام الذي قاله سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة العربية الفضائية، تذكرت حادثة طريفة جدا وقعت في الولايات المتحدة، وهي حادثة قد تقع في أي مكان في العالم خصوصا في العالم العربي، ولكن لا يترتب عليها نفس النتائج.
ذات يوم ذهب الشاب الأميركي رونالد ريغان إلى محطة “دبليو أو سي” الإذاعية، سعيا للحصول على الوظيفة التي يحلم بها، وهي وظيفة معلق رياضي، وهناك التقى أحد مسؤولي المحطة وكان رجلا مسنا أعرج يسير على عكازين يسمى “ماك آرثر”، وسأله ريغان إذا كان من الممكن أن يعمل معلقا رياضيا فيها، ولكن آرثر اعتذر له وأخبره أنه لا توجد وظائف شاغرة في المحطة، فغضب ريغان بشدة، وقال لآرثر وهو يستعد للركض:”يبدو أنهم كانوا عميانا عندما عينوا أعرجا مثلك معلقا رياضيا، إنها رياضة آخر الزمان”. وانطلق ريغان يركض بأقصى سرعة ناحية المصعد، حتى لا يلحق به آرثر، ولكن لسوء حظه كان المصعد مشغولا، فتمكن آرثر من اللحاق به وأمطره بوابل من السباب.
ثم هدأ آرثر وسأل ريغان: هل تستطيع أن تعلق على مباراة وتجعل المستمع يستمتع بها وكأنه في الملعب؟ فرد ريغان بثقة: نعم.
واصطحب آرثر الشاب ريغان إلى الاستديو، وطلب منه أن يذيع أي مباراة يتذكرها، فأمسك ريغان بالميكروفون، وأخذ يتذكر إحدى المباريات، وشرع يقول: “سيداتي سادتي، الآن ننقل لكم الوصف التفصيلي لمباراة... الجو اليوم يميل إلى البرودة، وهذا أمر طبيعي، فنحن الآن في أواخر شهر نوفمبر”. ومضى ريغان في تعليقه واستطاع أن ينجح في الاختبار وحقق أمنيته وأصبح معلقا رياضيا. كان هذا بالطبع قبل أن يصبح ريغان رئيسا للولايات المتحدة.
وزبدة القول هنا إن هذه الحادثة لو وقعت في بلادنا العربية لما استطاع رونالد ريغان أن يعمل معلقا رياضيا في حياته. وهذا يعد سرا من أسرار تقدم أميركا والغرب، فهم يقيمون الإنسان بشكل موضوعي ويراعون المصلحة العامة مهما اختلفت مع البواعث الشخصية للمدير، ولكن هذا لا يحدث في بلاد العرب، فنحن عاجزون حتى كتابة هذه الأسطر عن وضع الإنسان المناسب في مكانه الذي يستحق، على رغم أن الآية القرآنية تقول: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
نحن عاجزون عن إتاحة فرص الإبداع والابتكار والأخذ بيد أولى المواهب والملكات الحقيقية إلى بر العطاء والتقدم... لدينا إدارات بلا مديرين فعليين بمعنى الكلمة تديرها، وتضبط إيقاع سيرها وإنجازاتها، ولدينا – بلا حسد- مديرون بلا إدارات.. كل همنا هو المظهر والصراع من أجل البقاء، حتى وإن تطلب ذلك الدخول في تحالفات بغيضة، حتى وإن تطلب ذلك الإسفاف بالآخرين والتحقير من شأنهم..
تلك البلاد يا صاحب السمو عرفت العدل والمساواة، فتقدمت، حيث تكافؤ الفرص والمعايير العادلة هي الأساس في الحصول على الوظائف وفي الترقي في هذه الوظائف، وليس التزلف للمدير وإطلاق البخور حوله كل صباح والثناء على كل ما يتلفظ به من قول، وإن كان هراء في هراء، وتمجيد كل ما يخرج من فيه حتى دخان سيجارته ورذاذ كحته.
لذلك هم تقدموا، ولتلك الأسباب عالمنا العربي في تراجع!
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .