العدد 317
الخميس 27 أغسطس 2009
banner
“حمير وأوادم”
السبت 20 أبريل 2024

لماذا كل هذا الانزعاج الأميركي البريطاني من استقبال الليبيين لعبدالباسط المقراحي، الذي كان يقضي عقوبة السجن في اسكتلندا على خلفية اتهامه بتفجير طائرة بان أميركان؟
المقراحي كان يقضي عقوبته في اسكتلندا، والذي أعلن الإفراج عنه هو وزير العدل الاسكتلندي بموجب قوانين وأسانيد قانونية ليس لليبيا دخلٌ في صنعها.
شاهدنا الوزير الاسكتلندي على شاشات التلفاز يعدد بإسهاب الحيثيات التي بموجبها تم إطلاق سراح المقراحي المصاب بسرطان البروستاتا، الذي وصل حسب ما أعلنت السلطات الاسكتلندية إلى مرحلة متقدمة لم تعد تسمح له بالعيش لأكثر من شهر.
ورغم ذلك، فقد أعرب الرئيس أوباما عن استنكاره لإطلاق سراح المقراحي، وأعلن مدير جهاز الأمن الفيدرالي الأميركي الـ إف بي آي أن قرار الإفراج عن المقراحي يعد مكافأة للإرهاب، وأعلن وزير الخارجية البريطاني أن رؤية الحشود التي استقبلت المقراحي في ليبيا كان أمراً مؤسفاً.
لماذا كل هذه الضجة على رجل قالوا إنه لن يبقى له في الحياة إلا أياماً، وهم الذين كانوا ينظرون للممرضات البلغاريات اللاتي قمن عن عمد بحقن عشرات الأطفال الليبيين بفيروس الإيدز القاتل على أنهن ضحايا؟ ولماذا طالبت الإدارة الأميركية آنذاك مراراً وتكراراً ومارست ضغوطاً هائلة على ليبيا لإطلاق سراح الممرضات المدانات بهذه الفعلة البغيضة؟
لماذا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كان يملأ الدنيا كلاماً ويمارس كل ضغوطه الممكنة لإطلاق سراح هؤلاء النسوة اللاتي حرمن عشرات الأسر الليبية من أبنائها؟ وكانت تهمتهن واضحة وضوح الشمس، ولم يكن للسياسة دخلٌ في هذه التهمة التي وجهها القضاء الليبي لهؤلاء النسوة، ومع ذلك تم تسييسها من قبل أميركا وفرنسا وغيرهما. ومارسوا كافة الضغوط على ليبيا، وكأن الطرف الليبي – ظالماً أو مظلوماً – لابد أن يتم الضغط عليه ولابد أن يدفع ثمناً.
ليبيا دفعت ثمناً غالياً من الحصار والعزلة بعد اتهام المقراحي بتفجير طائرة بان أميركان، وقامت بعدها بدفع تعويضات بملايين الدولارات لأهالي الضحايا إلى جانب محاكمة المقراحي وسجنه في اسكتلندا.
وعندما وافقت ليبيا على نقل الممرضات البلغاريات إلى بلدهن، رغم تهمتهن الشنيعة، لم ينتظر الرئيس البلغاري حتى تهبط الطائرة التي كانت تقل هؤلاء المجرمات وقام بإصدار عفو عنهن، ولم يتحدث مدير الـ إف بي آي ولم يعتبر أن هذا مكافأة للإرهاب كما قال عن المقراحي، ولم تنبس الإدارة الأميركية بحرف... فما هذه العنصرية المقيتة؟!
يقيمون الدنيا لأن بعض الليبيين خرجوا لاستقبال رجل عاد بعد أن دفعت بلاده تعويضات بالمليارات، وقضى سنوات بالسجن، ولم يخرجه منه إلا حكم إعدام من نوع آخر، هو ذلك المرض الذي لا يبرأ منه أحد! ولماذا لم يتحدث أحد عن الاحتفال الحافل للممرضات القاتلات عند وصولهن لمطار صوفيا؟
الحقيقة في كل هذا أن الغرب ينظر إلى الإنسان العربي على أنه أقل درجة، وأن حقوق الإنسان وقوانين الأمم المتمدنة تنطبق فقط على الإنسان الغربي دون سواه، ولذلك يقيمون الدنيا ويقعدونها إذا قـُبض على جاسوسة لهم في إيران أو كوريا الشمالية، ويعتبرون أن قتل أطفال فلسطين ونسائها بالآلاف دفاعٌ عن النفس.
لقد كان الرئيس القذافي محقاً عندما تساءل مستنكراً هذه الضجة المفتعلة حول استقبال المقراحي: “هل نحن حمير وهم أوادم؟”.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية