العدد 275
الخميس 16 يوليو 2009
banner
دماء في ساحة العدالة
الخميس 25 أبريل 2024

خرجت صباح يوم بصحبة طفلها الذي يبلغ  الرابعة من عمره، لترفه عنه وعن نفسها لبعض الوقت في هذه البلاد البعيدة ، الزوج مشغول في أبحاثه العلمية يصل الليل بالنهار لتحقيق الحلم الكبير، دخلت حديقة من حدائق الأطفال وجلست تنظر في الأفق البعيد عندما كان طفلها يتأرجح على أرجوحته، اشتاقت إلى شواطئ الإسكندرية الجميلة بعد سنوات من الغربة الطويلة .. قالت لنفسها قريباً نعود بعد أن نحقق الأحلام . وبينما كانت غارقة في تفكيرها هالها أن رجلاً يلتقط طفلها بقسوة من على أرجوحته ويلقي به على الأرض ... اقتربت منزعجة ... لم تجد سبباً لهذا التصرف الهمجي الذي قام به .. كل ملامح الرجل تنضح بالغضب والعنصرية .. قاومته.. فأهانها ووصفها بالإرهاب ولعن الإسلام والمسلمين .
ولأنها كانت تعتقد أنها في دولة ديمقراطية تعرف قدر الإنسان وآدميته وتحترم المرأة والطفل وتغضب إذا أصيبت امرأة إيرانية في مظاهرات صراع السلطة ، أو إذا أسيء لمشاعر الخنازير في مصر ، فقد ذهبت فوراً إلى المحكمة بعد أن أهينت عقيدتها وحريتها .
جلست إلى جوار زوجها تحتضن طفلها الصغير ، تنتظر الحكم ....... الحمد لله .. جاء الحكم لصالحها، حيث حكمت المحكمة بالغرامة على ذلك الهمجي الذي تربى على كره الاسلام والمسلمين ..... ولكن ....... يا للهول ...، ما أن فرغ القاضي من النطق بالحكم حتى انطلق هذا الهمجي بسكين كان قد جلبها إلى قاعة المحكمة دون أن يمنعه أحد .... ثمانية عشر طعنة تلقاها جسد هذه المرأة شهيدة الحجاب بيد هذا النازي.. سقط طفلها على الأرض وتشربت ثيابه بدمائها الطاهرة .. قتلت براءة هذا الطفل قبل أن تلفظ الأم أنفاسها الأخيرة .. الزوج المصاب بالذهول حاول أن يفعل شيئاً لينقذ زوجته، فنال نصيبه هو الآخر من الطعنات.. واختلطت دماؤه بدماء زوجته ، لا شيء سوى صرخات الطفل ... لا أحد من الحاضرين يفعل شيئاً كأنهم يشاهدون المشهد الأخير في مسرحية هاملت.
كان عجيباً أن ما بادر به رجال الأمن الحاضرين هو إطلاق النار على الزوج الذي حاول عبثاً أن ينقذ زوجته ، أما هذا النازي الجديد فلم تخدش له أذن أو يقطع زرار من أزرار قميصه .
لم يكن هذا المشهد في غابات أفريقيا ، ولم يكن في أزمنة ما قبل التاريخ، لقد كان في ألمانيا، في ساحة العدالة ،وكان في شهر يوليو 2009 ، في ألمانيا التى تتألم لو أجريت عملية ختان لفتاة أفريقية. وما صنعه هو رجل ألماني يغلي قلبه بكره الإسلام والمسلمين ، والضحية هي الدكتورة مروة الشربيني المصرية العربية المسلمة، وزوجها هو الباحث العلمي علوي عكاز.
صحيح أن الحادث الإجرامي ، هو حادث فردي يسأل عنه صاحبه من الناحية القانونية، ولكن أليس من الغريب أن يدخل ذلك المجرم إلى ساحة العدالة وهو يحمل سكيناً ؟؟، ويزعم من يزعم أن القضية المنظورة قضية بسيطة ولا تستدعي تفتيش المتهمين قبل الدخول ، وكأن المسئولين هناك لا يعرفون أن هذه القضية (البسيطة) ارتكبت بسبب التعصب الديني، وأن ضحيتها امرأة مسلمة .
وكأن السلطات الألمانية لا تعلم أن هناك متهماً آخر لم يكن موجوداً لحظتها في ساحة المحكمة ، ولكنه موجود في ألمانيا وفي غير ألمانيا منذ سنين ، متهماً يحرض على الإسلام والمسلمين ويزرع الحقد والضغينة في نفوس البشر .
هذا المتهم  هو آلة الإعلام الغربية الظالمة التي دأبت ليل نهار على التشويه والتبشيع لكل ما هو إسلامي .
صحيح ان هناك تصريحات حكومية معسولة عن التسامح وحوار الحضارات تصدر من هذا الرئيس أو ذاك في الغرب، ولكن ما حدث في (ساحة العدالة) في ألمانيا شيء يسيء إلى ألمانيا وإلى مستشارتها ميركل التي كان موقفها غريباً ولا يعبر عن حضارة ألمانيا ومكانتها .
هذا المشهد – وأوجه كلامي للسيدة ميركل- تنهزم أمامه كل التصريحات الدبلوماسية وينهزم أمامه حوار الحضارات، وتنهزم أمامه الأمم المتحدة والأمم المتمدينة ، وكل القيم الإنسانية ، ما حدث هو البشاعة في أقصى صورها، هو النازية الجديدة . رحم الله مروة الشربيني وأنزل لعنته على كل العنصريين .

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية