العدد 264
الأحد 05 يوليو 2009
banner
عصر السيقان..
الجمعة 29 مارس 2024

في أزمنة النفاق والمظاهر تضيع قيم ٌ كثيرة ولا يكون للمضمون أي قيمة .. طالما أنك غني وصاحب منصب، الكل يسعى إليك وتـُدبج في مديحك الجمل والقصائد .. أنت خاوي العقل ولا تستطيع أن تعبر عن شيء ولا تستطيع أن تقنع دجاجة .. لا بأس فالكل سيستمع إليك ويهز لك رأسه ويتخذ كلامك مهما كانت تفاهته حكماً بليغة . أما الآخر فليس حرياً بأن يستمع إليه حتى وإن نطق بالعلم والحكمة .
في رواية تسمى “ مدام شلاطة” للكاتب المصري وحيد غازي، جاءت عبارة :” نحن في زمن ، السيقان تدر فيها أكثر من العقول، سيقان لاعبي الكرة وسيقان الراقصات” .
في زمن كهذا قلما يكون النجاح حليف الإنسان الذي لا يلتزم ببهرجة ومظاهر ومساحيق هذا الزمن العجيب.
فعندما أعلن عن فوز “سوزان بويل” بالمركز الأول في مسابقة الموهوبين للغناء، أعتبر هذا الخبر كبيراً على اعتبار انه إذا عض كلبٌ رجلاً فهذا ليس خبراً ، ولكن إذا عض رجلٌ كلباً فهذا هو الخبر..
لم يتوقع أحدٌ أن تفوز هذه السيدة بمسابقة كهذه ، لأن شكلها الخارجي لا صلة له بقوانين هذا العصر، حيث الغناء وبخاصة في عالمنا العربي لم يعد له  علاقة بأي مضمون، فلا كلمات، ولا لحن، ولا صوت ولكن الغناء أصبح مؤهلات تهتز في جميع الاتجاهات – يمنة ويسرة وإلى أعلى وإلى أسفل- وسيقان تتشابك ، لا يكاد الإنسان يعرف سيقان البنات من سيقان من معهم من الشباب.
إذا كان الإبداع هكذا، فلا مجال أبداً لتقدم أصحاب المواهب الحقيقية .. خاصة ً إذا كان شكلهم الخارجي لا يتفق مع معايير العصر الردىء.
قديماً أيضاً كان الشكل يخدع والإنسان يخطئ في تقديره للبشر ولما يحملونه من العلم والحكمة ، ولكن كان صاحب الموهبة الحقيقية يستطيع أن يعبر عن نفسه، فلم يكن العالم بهذا الضجيج وبهذا النفاق.
يُحكى أن مجموعة من الشعراء الكبار كانوا في طريقهم لقصر الخليفة ليمدحوه، وينالوا عطاياه كعادة الشعراء المدّاحين، فتبعهم رجل رث الثياب ، ولا يبدو على هيئته أنه يحمل علماً أو شعراً أو حكمة . وتبعهم هذا الفقير بجرة كان يحملها إلى مجلس الخليفة . وبعد أن تبارى هؤلاء الشعراء أصحاب الأسماء الكبيرة في مدح الخليفة ، وأخذوا العطايا، استدار الخليفة إلى هذا الفقير، معتقداً أنه جاء يطلب إحساناً وسأله عن مسألته، فقال الرجل:
لما رأيتُ القوم أقبل جمعهم،             إلى بحرك الطامي أتيتُ بجرتي
فنال هذا البيت رضا الخليفة أكثر من كل القصائد التي سمعها ، فملأ له الجرة بالذهب مكافأةً له. وانصرف هذا الفقير ، وعندما غادر القصر قابله بعض الفقراء من أمثاله، فاقتسم معهم الذهب الذي حصل عليه، فاعتقد الحراس أنه مجنون فقادوه إلى الخليفة مرة أخرى ، ولما سأله الخليفة عما فعله قال الرجل:
علينا يجود الخيرون بمالهم ،                        ونحن بمال الخيرين نجودُ
.. فملأ له الخليفة جرته بالذهب مرة أخرى !!
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية