العدد 222
الأحد 24 مايو 2009
banner
قابوس بن سعيد..
الأربعاء 24 أبريل 2024

وأنا أقوم بتصفح أوراق الإنترنت، شد انتباهي لقاء صحفي كان قد أجراه الأستاذ أحمد الجارالله رئيس تحرير صحيفة “ السياسة” الكويتية مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد ، حاكم سلطنة عمان.  ونظراً لانبهاري منذ نعومة أظفاري بشخصية السلطان قابوس الفذة، لما تحتويه من ملكات انفرادية ، ناهيك عن أسلوب السهل الممتنع الذي تتميز به أحاديث جلالته ، حيث سمة الوضوح والصراحة ، مع البعد عن التكلف أو التصنع اللغوي، وجدتني مشدودة لقراءة اللقاء الصحفي أكثر من مرة ، بل والوقوف تأملاً وتفكراً لدى كثير من المحطات التي ضمنت رحلة اللقاء الصحفي ، لعلي أفلح في فك جانب من شخصية السلطان قابوس الثرية ، رجل السلام لعام 1998 وكل عام .  ولستُ أستبعد أن كثيراً من المتابعين لمسيرة النهضة التنموية في السلطنة يتساءلون – مثلي- عن الفلسفة والآلية التي استطاع من خلالها السلطان قابوس الانتقال بعمان من مرحلة الظلمات والتقوقع إلى النور والإشعاع الحضاري، المشهود لها على كافة الأصعدة العربية والأممية في فترة تعد قياسية في تاريخ التطور والنماء النهضوي؟! يؤكد السلطان قابوس بن سعيد أن سر نجاحه في نهضة الإنسان والمكان في عمان اليوم ، إنما يكمن في حرصه الشديد على “بناء البشر” قبل الضلوع في بناء الحجر. وتلك قضية – لعمري- غاية في الأهمية، لأنك بمنتهى البساطة لا تستطيع أن تعول على أداء أحدهم – وليس المقصود بالأداء هنا الجانب المهني وحده، وإنما الأهم من ذلك الأداء الفكري والأخلاقي- ما لم تقوم ببنائه من الداخل بناءاً من القوة والمتانة، بحيث يمكنه مواجهة تحديات وتعرية الزمن، فالحجر وحده عرضة للتشقق والانحدار أو الانهيار ، وحدها المنظومة القيمية والأخلاقية ، تأبى ذلك!  وعليه اهتم السلطان قابوس بترتيب بيته الداخلي قبل المضي في الانفتاح على الخارج، مستنيراً بالحكمة القائلة “ إذا أردت أن تكون قوياً في الخارج، فكن قوياً في الداخـل”. من هنا اختار قابوس أن ينفتح على الآخر انفتاحا مدروساً ، قائــلاً : إن “الجرعة العالية للانفتاح، قد تفقدنا مصالح نريدها للشعب العماني”.  والمشاهد لطبيعة المتغيرات التي تمور بالمجتمع العماني، يلحظ مدى التصاق العماني وحميميته بتراثه وهويته الخالصة،  وأنه لم يفرط قط بماضيه وما سجله آباؤه الأولون من أساطير عبقة بالأصالة ومكارم الأخلاق، مهما لمعت أو برقت من حوله قشور الحداثة والعولمة، يبقى الإنسان العماني أصيلاً ، تمامـــاً كالذهب ، لا تغيره السنين أو تنتقص من قدره .
وبالرغم من أن المجتمع العماني يعد مجتمعاً متعدد الإثنيات والأعراق، إلا أننا لم نسمع يوماً بتناحر أو تنابز بين تلك التعدديات ، على العكس تماماً ، فإن السمة الأكثر غلبة على مكونات المجتمع العماني هي سمة التسامح والمكون الواحد، حيث الولاء للوطن ولولي أمره ، ربما لأن المجتمع العماني متصالح مع ذاته، فكفاءة المرء وقدراته الشخصية تلعب دوراً محورياً في تبوئه للمناصب والأدوار القيادية ، وذاك في حد ذاته سبباً رادعاً للحد من كثير من الإشكالات والأعاصير التي تعصف بالأنظمة العربية الحاكمة ، وتسبب سخطاً شعبياً عارماً ضدها.
فالحاكم وحده غير قادر على الإلمام والوقوف على كل صغيرة وكبيرة من شؤون بلاده ورعيته ، هنا يأتي دور البطانة المحيطة به ، فمتى ما صلحت بطانة الحاكم، صلح الحكم وتعانق الشعب بقيادته عناقاً ملؤه الرضا والقناعة ، ومتى ما فسدت تلك البطانة ، لا خير يرجى في غد!
وقد يكون منطقياً أن نتساءل ، ترى كم قابوساً تحتاجه الأنظمة العربية الحاكمة ، كي تتصالح مع شعوبها؟!
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية