العدد 194
الأحد 26 أبريل 2009
banner
“ويلٌ لأمة تهمل تاريخها..”
الجمعة 19 أبريل 2024

العنوان أعلاه دلالة كافية لدحض كافة معالم الافتتان بالنموذج التغريبي للثقافة العربية ، فاليوم مع تعاظم النظرة الانبهارية بكل ما هو قادمٌ من الغرب، بات لزاماً على المثقفين العرب والنخبة الفكرية تمتين أواصر الجذور الثقافية للعرب والالتفاف حول كل ما هو غير قابل للتجديد. وهذا بطبيعة الحال لن يتم بمعزل عن الاعتداد بالموروث الشعبي ، وقديما ً قيل “ إذا أردت أن تحكم على حضارة وطن، فانظر إلى مدى تعلق شعبه بتراثه” .
إن الانفتاح على الآخر والتعطش لفهم متغيراته “الجوانية”، لا يعني البته التنازل عن هويتنا العربية الضاربة أطنابها في عمق التاريخ .  ولا بأس بين الفينة والأخرى بإطلالة على ما هو آتٍ من الغرب من منطلق متطلبات العولمة ، شريطة الحفاظ على تراثنا وإرثنا العربي النفيس وعدم المساس بمكوناته، أو التلاعب بمقدراته.
ولا ننسى في هذا المقام انشداه الغرب وعجزهم عن مجاراة العرب في كل ما له صلة بالمنظومة القيمية والأخلاقية والروحانيات ، والتي لا يمكن فصلها هي الأخرى عن الموروثات الشعبية والتراثية  لكل بلد على حده، باعتبارها مخزوناً ثقافياً وحضارياً تعبر عن قيمة وأصالة أهلها.
ولقد استطاع الكاتب المصري توفيق الحكيم – رحمه الله- أن يوجز ذلك العجز أو التفاوت في فهم الآخر والتصادم معه في أمور صغيرة ، قد تجعل التقارب مستحيلاً ، إذ عبر في روايته الشهيرة “ عصفور من الشرق” عن مدى التباين في مفهوم الحب بين الرجل والمرأة في الشرق عنه في الغرب، حيث الشرقي الذي رمز إليه الكاتب بالفتى (محسن) ، شاب رومانسي يعيش الرومانسية بحذافيرها ويستمتع بها ، ويتعامل مع محبوبته بشكل مفرط في الخيال، أما صديقه الغربي فيتعامل مع محبوبته من خلال مفهومه الخاص للحب من حيث العلاقة الجسدية .
ولقد أردت من خلال ذلك المثال الأدبي ، تبيان أن الانغماس في الآخر إلى حد الذوبان  مسألة يستعصي هضمها لدى العقل البشري، بل هي مستحيلة ، لأن الإنسان نتاج بيئته وتربيته ، وإن انتقل بجسده جغرافياً إلى أماكن أخرى من العالم، إلا أن عاداته وتقاليده الأصيلة تبقى راسخة في عقله الباطن .
وذاك أمر حميد ، لا غبار عليه من حيث كونه رديف لاستمرارية الثقافة الشعبية والتشبث بها كأحد أسلحة  مواجهة الخطر المحدق بالعروبة والموروث العربي المشترك، ولا يختلف اثنان على أن الثقافة العربية في وضعها الراهن تعيش حالة أشبه بالغيبوبة والموت السريري ، نتيجة ما تتعرض له من هجمات دورية ومستمرة متدثرة بدثار الحداثة والانفتاح . ولستُ أدري أي انفتاح ذاك الذي يعمد إلى طمس هويتنا ، بما في ذلك لغتنا العربية الجميلة ؟!
أمنية ليست بعيدة:
نتمنى من كافة وزارات الإعلام في أوطاننا العربية ضرورة  الانتباه إلى اللغة العربية ، بإعطائها مزيداً من الاهتمام والتركيز ، من منطلق أن اللغة العربية جزءٌ لا يتجزأ من تاريخنا العربي المجيد ، والتهاون فيها يعني تهاون بعروبتنا ومستقبل أجيالنا القادم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .