العدد 2818
السبت 02 يوليو 2016
banner
القدس بعد عمر بن الخطاب أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
السبت 02 يوليو 2016

“بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، وكنائسهم وصلبانها وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، إنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن معهم أحد من اليهود. وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن. وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه ما على أهل إيلياء من الجزية ومن أحب أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم أن يبلغوا مأمنهم. ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله. وإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية”.
كان هذا هو نص العهد الذي أعطاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل القدس بعد أن طلبوا ذلك نظير التسليم للعرب المسلمين بعد ان حاصروا المدينة لعدة أشهر وأيقن قاطنوها ومعهم الروم المحتلون عدم قدرتهم على مقاومة ذلك الحصار وقوات المسلمين، المهم في ذلك هو ما أعطاه سيدنا عمر لجميع من في المدينة ما عدا اليهود الذين أمر بأن يغادروا المدينة مع اللصوص، والمدينة بهذا العهد بقيت على ما هي عليه عدا أمر واحد، وهو أن تبعيتها للروم انتهت وعادت إلى أهلها من المسلمين، والاحتلال زال على يد قوات عمر وتنفست المدينة الصعداء وذاقت طعم الحرية التي سلبها الاحتلال، فهذا العهد منحه لهم من يتحلى بالإنسانية ويعرف قيمتها ويحافظ عليها، وكان همه الأول والأخير الأمة وليس غيرها ومسرى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
وهذا عكس ما يجري اليوم خصوصا في العشر الأواخر من رمضان الكريم الذي يتعمد فيه طغاة العصر الحديث من الصهاينة توجيه الإهانة الواحدة تلو الأخرى، ليس لأهل القدس أو فلسطين أو العرب فقط ولكن لجميع المسلمين الذين ضيعوا فلسطين ومعها القدس، ولكنهم جميعا تناسوا مسرى الرسول ويتقبلون الإهانات الواحدة تلو الأخرى كونهم اعتادوا عليها من نتنياهو او من غيره لذلك فالأمر عادي عندهم.
في السابق كان على رأس الأمة رجال يرون أمامهم ويضعون مستقبل الأمة فوق كل حساب ولا يلتفتون إلى مواقعهم ويخشون عليها ولا يرون مواقع غيرهم ويطمحون فيها، فقد كانوا متجردين من المطامع الذاتية، متحلين بأهداف الأمة جمعاء، اما اليوم فعلى العكس، نرى عليها من هم متمسكين بما هم عليه يصدون كلما سمعوا كلاما عن الأمة وحالها ومستقبلها، اناس متجردون من الأمة متحلون بالذات، ومن هم على هذه الحال يسهل أمر إهانتهم ويتقبلون الإهانة إن كانت لا تمس مواقعهم.
أمثال سيدنا عمر رضي الله عنه رحلوا وأخذوا معهم الكثير ومن الصعب إن لم يصل إلى المستحيل وجود من يحمل فكرهم وتفكيرهم ممن يتبوأ المواقع حاليا، وهذا ما قوى العدو وجعله يمارس ما يمارسه اليوم في القدس وغيرها من أراضي فلسطين، كونه يعرف مسبقا ردة الفعل التي لا تتجاوز بعض الحروف التي ترص في أوراق بيضاء بلا قيمة ولا معنى لها ولكنها ليست أكثر من ذر للرماد في العيون... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية