العدد 2755
السبت 30 أبريل 2016
banner
الصورة الأميركية في الانتخابات الرئاسية أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
السبت 30 أبريل 2016

كعادتها كل أربع سنوات تستحوذ أخبار الانتخابات الرئاسية الأميركية وصراعات الحزبين الرئيسيين فيها على النشرات الإخبارية والمواقع المختلفة، وهي كل يوم في شد وجذب بين أبرز المترشحين والتصريحات الواردة على لسانهم، وربما تكون الانتخابات الحالية أو القادمة بعد عدة أشهر مختلفة نوعا ما وفي جانب معين فيها عن سابقاتها، كون أحد المترشحين يرفض العمل بالصورة التي اعتاد عليها المترشحون السابقون، ونعني به دونالد ترامب الذي يحظى بتأييد أغلبية الناخبين التابعين للحزب الجمهوري، فهو كما يبدو يتخذ من الصراحة والتعبير الحقيقي عن الذات وسيلة للوصول إلى سدة الرئاسة حتى لو لم يستطع تحقيق ما يتحدث عنه لو قدر له أن يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة الأميركية.
تعودنا في السابق أن يعمل المترشحون على وضع المصالح الأميركية قدر المستطاع على رأس قائمة الأولويات في تصريحاتهم وخطبهم الكثيرة أثناء جولاتهم الانتخابية، ويحاولون الموازنة بصورة غريبة بين تلك المصالح والمواقف أو الوعود التي يطلقونها قبل ذهاب الناخب الأميركي للصناديق، أما “ترامب” فيضع التوجه الشعبي أو السياسة الحقيقية والواقعية الشعبية الأميركية في مقدمة تصريحاته حتى لو عارضه قطاع كبير من الساسة الأميركان في حزبه أو خارجه، لذلك نراه يكتسح الانتخابات التمهيدية وكان الناخب الأميركي يريد القول ان هذا ما نريده حتى لو عارض مصالح الشركات الكبيرة المهيمنة على السياسة الأميركية والتي تريد دائما العمل في الخفاء وإخفاء الواقع عن الخارج وبالذات الخارج العربي.
يواجه هذا المترشح حربا ضارية ونقدا لاذعا من الكثيرين، الشركات والساسة وبعض المثقفين، ليس لأنه على خطأ أو لا يعبر عن الرأي العام الأميركي، بل لأنه لا يعمل على مواراة الحقيقة فيتحدث بما يراه صحيحا من وجهة نظره وما يعتقد ان الشارع الأميركي يتوجه إليه، لذلك يعبر عن الصورة الحقيقية لذلك الشارع، بل الصورة الحقيقية للسياسة الأميركية التي لا تظهر إلا في الأوقات الصعبة وهي سياسة معادية في حقيقتها للعرب بصورة خاصة والمسلمين بصورة عامة.
اعتاد المترشحون للانتخابات الرئاسية الأميركية لسنوات طويلة إعطاء صورة معينة للسياسة الأميركية التي ينوون اتباعها، فهم يتحدثون دائما عن حقوق الإنسان والمجتمع المختلط المتعدد الأعراق والمتناسق، ويتحدثون في نفس الوقت عن المصالح المشتركة والعلاقات القوية مع الوطن العربي وعن دعم الولايات المتحدة للأمن العربي ووقوفها مع الدول العربية في صراعها ضد التخلف والعدوان الخارجي مع ان الجميع يعرف، وأولهم العرب انفسهم، أن ذلك غير صحيح وهو مجرد سلعة للبيع تفرضها الشركات الأميركية الكبرى الممولة لأولئك المترشحين.
ولكن السيد “ترامب” يريد إعطاء صورة مختلفة هذه المرة، فهو لا يعتمد على تلك الشركات في الجانب التمويلي لحملته الانتخابية قدر اعتماده على موارده الذاتية، لذلك عمل منذ البداية على التحدث بواقعية وإعطاء صورة الواقع الأميركي والتوجه الشعبي لقطاع واسع من الأميركيين الذين ساهم الإعلام الأميركي ولعقود طويلة من الزمن في رسم صورة معينة في عقولهم ومارس عملية غسل مستمرة لتلك الأدمغة ليجعلها ترى العربي كالجاهل الذي يجلس على كنز لا يعرف قيمته والهمجي في تصرفاته ويبحث عن المتعة فقط في أي مكان ولا حقوق إنسان لديه ولا يعرف الديمقراطية، ويحاول هذا الجاهل المتخلف دائما تدمير الكيان الديمقراطي الوحدي في المنطقة والمتمثل في “الكيان الصهيوني”، لذلك ساند التوجه الشعبي الأميركي لسنوات طويلة السياسة المنحازة للولايات المتحدة الأميركية اللهم إلا النفر القليل الذي استطاع البحث والتفكير بعيدا عن الإعلام الأميركي المهيمن عليه من قبل الحركة الصهيونية، ولكن هذا النفر القليل لم يستطع حتى الآن إزالة الصورة القاتمة التي يحملها المواطن الأميركي عن المنطقة العربية.
لذلك  حديث “ترامب” بواقعية يفضح السياسة الأميركية ويتماشى مع التوجه الشعبي، لذلك يراه الكثير من الساساة الأميركيين نوعا من الهدم للمصالح الأميركية القائمة على الكذب في ما يخص السياسة الخارجية، وهذه الصورة لم يعتد عليها اولئك الساسة الذين عملوا دائما على أن تكون صورة المترشح السياسية كما يريدون حتى يصل إلى البيت الأبيض فيعمل على الحقيقة وليس على الشعار الانتخابي... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .