العدد 2550
الخميس 08 أكتوبر 2015
banner
عبدالناصر و”التسبب في هزيمة؟!” 1967 أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الخميس 08 أكتوبر 2015

نعود للفقرة الثانية مما ورد في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تقول إن عبدالناصر “تسبب في هزيمة 67 واحتلال سيناء وغزة وباقي فلسطين”، ونعود للقول مرة أخرى إن من يتحدث بهذه العبارة يتسم بالجهل والغباء التاريخي والسياسي او بهما معا مع تأييدنا بالقول إن حرب 67 كان لها أثر عميق على الأمة ومازالت تعاني منه ومن تداعياته، والحرب كانت من نتائجها حقيقة احتلال الأراضي التي وردت في العبارة، لأننا لو قلنا غير ذلك نكون كمن يخفي الشمس بغربال كما يقولون، ولكننا نود الإمساك بأول كلمتين وردتا في العبارة وهما كلمة “تسبب” وكلمة “هزيمة” وهل هي صحيحة أم لا؟.
فهل هزمت الأمة في 67 وفي عهد عبدالناصر أم لا؟ وهل هزم عبدالناصر نفسه في تلك الحرب أم لا؟ فالهزيمة تعني استسلام طرف لطرف آخر ورضوخه لشروطه وتحقيق الطرف المنتصر كل ما يريد على حساب الطرف المهزوم؟ فهل حدث ذلك ام لا؟ الجميع يعرف تماما ان الأمة لم تستلم بعد تلك الحرب ولكنها وقفت كما تقف الشعوب الحرة ورفضت كل ما نتج عن ذلك العدوان والحرب التي تم فرضها فرضا على الأمة وكانت ستحدث في ذلك الوقت وتحت اية ذريعة من الذرائع مهما فعل عبدالناصر أو غيره من الزعماء حينها لأن منطق العلاقة مع الصهيونية والغرب يقول ذلك، ومن يراجع التاريخ لتلك العلاقة يرى انها – أي الحرب – قائمة.
الأمة وقفت بقيادة عبدالناصر في مؤتمر الخرطوم وبعد الحرب مباشرة لتقول “لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف”، أي أنها رفضت الاستسلام لهزيمة عسكرية ونفضت عن الشعب العربي غبار الخوف والوهن وبدأت تعد ذاتها لتمحو ما حدث في الخامس من يونيو، ولولا وجود عبدالناصر حينها في تلك القمة لما حدث ما حدث وربما طغى رأي أصحاب الفكر الانهزامي – الذي انتشر بعد عبدالناصر – ومالت كفة التصالح مع العدو الصهيوني على كفة رفضه.
الحديث عن حرب يونيو لا تسعه كلمات قليلة ترد في مقال هنا أو هناك، وما نقوله ليس تبريرا لموقف عبدالناصر ومن كان معه حينها من الزعماء العرب، بل يكفي القول إن الهزيمة العسكرية التي حاقت بالأمة جراء تلك الحرب لم تصل إلى ذات عبدالناصر وبعض القادة العرب، وإنما حركت فيهم مبدأ رفض الخضوع والاستسلام والبدء من جديد في بناء قوتهم لتحرير ما تمكنت الصهيونية والغرب من احتلاله.
لا يمكن القول بعدم حدوث هزيمة عسكرية للقوات العربية، فمن يقول ذلك يكذب على ذاته وليس على الآخرين، ولكنها لم تمكن العدو من تحقيق ما أراد من عدوانه على الأمة وليس مصر وحدها او عبدالناصر وحده، ولم تحقق له ما أراد من إقرار بوجوده كأهم بند من بنود نتائج الحرب والإقرار بحقه في فلسطين.
أصحاب الجهل بالمنطق والتاريخ ممن ينسبون الهزيمة والسبب فيها لعبدالناصر عليهم مراجعة ما حدث قبل الخامس من يونيو، ومراجعة ما أرادته الحركة الصهيونية والغرب من الأمة العربية والمقارنة بين الاثنين لفهم ومعرفة ما إذا كان عبدالناصر حقيقة هو السبب في الحرب والهزيمة، ومعرفة ما حققته الحركة الصهيونية من الحرب، حينها يمكن معرفة الحقيقة الغائبة عن أعداء الأمة او التي يريد أولئك الأعداء تغييبها عن الأمة.
لو لم يكن عبدالناصر موجودا ساعتها وبقرار من الأمة العربية بكاملها التي خرجت إثر تنحيه عن قيادتها، وليس الشعب العربي في مصر وحده، لما تم رفض الهزيمة العسكرية، ولما تم منع العدو الصهيوني من تحقيق أهدافه، ولما تم البدء في الإعداد لتحرير الأرض، لكن وجوده ومعه عدد قليل جدا من القادة العرب منع المتخاذلين حينها من السير في طريق الهزيمة السياسية.
حرب 67 كانت هزيمة عسكرية، ولكنها لم تكن هزيمة سياسية بكل المقاييس، ففي تلك الحرب خذلت العسكرية السياسة على العكس من حرب أكتوبر التي خذلت فيها السياسة القوات العسكرية، وعلى الجاهل بتاريخ الأمة قبل يونيو 67 وواقعها بعد ذلك التاريخ، عليه أن يحاول الفهم والمعرفة قبل إطلاق نار حقده على زعماء الأمة الحقيقيين، حينها سيعرف أن عبدالناصر والأمة العربية لم يهزما في تلك السنة، وأن عبدالناصر كزعيم لم يكن السبب في تلك الهزيمة العسكرية... والله أعلم. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .