العدد 2517
السبت 05 سبتمبر 2015
banner
العرب المسافرون بلا عودة أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
السبت 05 سبتمبر 2015

لا أحد يعرف متى تنتهي هذه الغمة التي تحيق بوطننا العربي ولا متى تهدأ المدافع وتنزل الأسلحة ويتوقف نزيف الدم ويبدأ البناء، كل ذلك في علم الغيب، فما نراه أن النار مستعرة وما إن تتضاءل في مكان حتى تشتعل في مكان آخر، أما فاتورة الخسائر فهي ممتدة ولا نهاية لها، فقد غدونا لا نتذكر بداية الخسائر ولا كمها أو حجمها كوننا بسبب كثرتها بتنا ننسى البداية ونعيش خسائر اللحظة.
آخر الخسائر المستجدة هي الخسائر في الثروة البشرية، فبالإضافة لمئات الآلاف من الشهداء الذين خسروا أنفسهم وخسرهم الوطن نرى اليوم نزوح الكثير من الموارد البشرية وهو ما يمثل خسائر أخرى تضاف للخسائر الممتدة، فقوافل النازحين أو اللاجئين، لا تهم التسمية، تعني أن آلاف البشر يغادرون بلادنا إلى دول أخرى كلاجئين ثم مقيمين ثم يتحولون إلى مواطنين في الدول الجديدة التي ستستفيد من هذه الثروة البشرية التي يخسرها في المقابل وطننا العربي.
قادة العرب كلما أرادوا دغدغة العواطف والظهور بمظهر وطني امام وسائل الإعلام نجدهم يتحدثون عن الثروة البشرية، وأن هذه الثروة أغلى وأهم الثروات الوطنية، وأن التركيز يجب أن ينصب عليها من اجل تطويرها وزيادة علمها ومعرفتها وقدرتها ليستفيد منها الوطن كونها الثروة الباقية أو المستدامة، ولكنهم على الجانب الآخر والواقعي نجدهم يُنَفِّرُونَ هذه الثروة بعد ان يدخلوا اليأس في نفوس الشباب، ويبعدوها عن الوطن كلما استطاعوا إلى ذلك الأمر سبيلا لأنهم يعون جيدا ان هذه الفئة من الموارد البشرية هي الفئة القادرة على التغيير وهم يخافون هذا التغيير ويرفضونه، لذلك تم استغلال ما سمي بالربيع العربي لطرد هذه الفئة من الثروة البشرية إلى خارج الوطن وبالتالي خارج الفعل والتأثير.
ما تنقله الشاشات البيضاء حاليا عن قوافل اللاجئين، الذين أكثرهم من العرب، سواء من ليبيا أو سوريا أو العراق، لا يظن البعض أنهم عائدون إلى دولهم الأصلية، إلا في حالة واحدة، عندما تتحول هذه الدول إلى دول حقيقية تستحق تسمية الدولة العصرية، أو أن يصل بنفسه إلى وضع تحسب له الدولة الحالية حسابا وتحترم وجوده، وهذا لا يحصل إلا عندما يبني ذاته ماديا ويتحول إلى رجل اعمال، مع ان هؤلاء سيكونون قلة قليلة لا يمكن احتسابها مقارنة بأرقام اللاجئين الذين نراهم، اما الباقون فقد استخدموا تذكرة سفر ذات اتجاه واحد وبلا عودة، والفضل في ذلك يعود للنظام العربي الذي حول أرض العرب إلى مخيمات وحول المواطن العربي إلى لاجئ ذليل يبحث في الأرض عن ذاته وكرامته ومعيشته التي فقدها على أرضه.
الصور التي تنقلها وسائل الإعلام عن القوافل العربية المهاجرة والباحثة عن الذات من خلال هذه الهجرة، هذه الصور لن تمحى من الذاكرة، وأظن أن جميعنا يذكر صورة الطفلة الفيتنامية التي كانت تسير بلا هدى وهي شبه عارية هربا من الموت التي كانت تنقله الطائرات الأميركية حينها، وهي الصورة التي قلبت الرأي العام على الولايات المتحدة وعجلت في نهاية تلك الحرب، وجميعنا نذكر كذلك صورة الطفل “محمد الدرة” الذي كان يحتمي بحضن أبيه خوفا من الرصاص ولكنه قتل في تلك الصورة، وكم كان تأثيرها على المواطن العربي، ولكنها للأسف الشديد لم تحدث التأثير الذي أحدثته الصورة الأولى بسبب الاختلاف بين وسائل الإعلام التي استخدمت الصورتين ولأن الإعلام العربي لم يتمكن من استخدامها بالصورة الصحية كونه لم يكن قادرا على ذلك بسبب تبعيته للنظام العربي غير القادر هو الآخر على فعل شيء، وهو النظام الذي دفع بهذه القوافل العربية لتحمل الصعاب والسير مئات الأميال بحثا عن أرض تضمها بعد أن طردها النظام العربي من أرضها.
هذه الصور ستظل تنشر العار بحق هذا النظام وتنكس رؤوس القادة الذين تركوا الإنسان العربي يتحمل كل هذه الإهانات والمذلة بسببهم... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .