العدد 2514
الأربعاء 02 سبتمبر 2015
banner
باسم الدين يسرقون.. يقتلون.. ويدمرون أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 02 سبتمبر 2015

حين نقول رجال الدين فإن معنى ذلك هو البشر أنفسهم كبشر ولا علاقة للدين بالقول، فالحديث عن رجال الدين أو من يحمل شعار الدين لا يعني الحديث عن الدين سواء بالثناء والمدح أو بالنقد والاختلاف، فالأمر مختلف بين الاثنين كون البشر يحملون عقولا بها يفكرون ويفهمون ويمكن أن يفهموا خطأ أو يفكروا بصورة مغايرة للواقع أو يكون حكمهم مبنيا على أسس بشرية ذاتية تؤثر فيها المصالح الخاصة، بالتالي يكون نقد هذه الأحكام ليس نقدا لأحكام دينية بقدر ما هو نقد لآراء بشرية.
قديما وبعد أن رحل الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى مصر وكانت حينها منقسمة بين مذهب الإمام أبي حنيفة والإمام مالك رضي الله عنهما، هذا الانقسام وبوجود الإمام الشافعي خلق جدلا فكريا بين الطرفين مما حدا بالإمام الشافعي إلى إطلاق عبارته الشهيرة “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” وهي عبارة تقدس الرأي الآخر وتحترم حرية الآراء وتعددها، على العكس من كثيرين من حولنا يرون ذواتهم أنبياء لا يخطئون ولا يقبلون رأيا مخالفا لرأيهم من الآخرين.
وهناك غير الإمام الشافعي الكثير من الأئمة الذين شربوا الدين ومارسوا أفعالهم على أساسه ويقدرون حرية الرأي والوطن كما دعا لها الدين، فنجد الإمام أو الشيخ “العز بن عبدالسلام” قاضي قضاة الشام فترة الغزوات التترية والحروب الصليبية، نجده لا يحيد عن الحق والرأي ويترك الشام ليذهب إلى مصر ويمارس فيها ما مارسه في الشام وينأى بنفسه عن الحكام ليكون له رأي حقيقي مستقل غير تابع لمصالح ذاتية، بل خالف أولئك الحكام الذين تحالفوا مع العدو على حساب الأمة.
والتاريخ مليء بأمثال هؤلاء “الرجال” ممن حملوا راية الدين وساروا على هديه الحقيقي والمختلفون عن ما نراه حاليا في الكثيرين ممن يتمسحون بالدين ليسرقوا أو يقمعوا البشر ويصادروا حرياتهم أو على أقل تقدير يبررون قمع البشر ومصادرة حرياتهم، وكل ذلك يتم باسم الدين كونهم يرون في ذواتهم شيء يفوق البشر ويعتقدون أنهم يحملون عقول تفوق عقول غيرهم من البشر الآخرين، بالتالي على أولئك البشر السير خلفهم دون وعي ودون تفكير ويتبعونهم كما تتبع القطعان رعاتها بلا تفكير ولا رأي.
قلنا بالأمس أو في المقال السابق وفي سياق الحديث عن انتفاضة العراق العربية، قلنا إن بعض رجال الدين رضخوا للموجة الشعبية وتحدثوا عن الإصلاح بعد سنوات من صمتهم وتبريرهم لما يجري في العراق في اعتقاد منهم بأن الشعب سيعود لهم بعد الأزمة ويواصل الخضوع لما يقولون، ولكن نرى اليوم أنهم استنفروا جهودهم وبدأوا في توجيه الإنذارات للمتظاهرين الغاضبين بعدم الجنوح عن المطالب - الذين يرون هم أن على المتظاهرين رفعها - بعد أن رأوا الهتافات التي تندد بهم حين قال المتظاهرون “باسم الدين سرقونا”، وفهم رجال الدين أولئك بأنهم معنيون بما يقال وأن الشعب يريد فضحهم وتقليص قوتهم أو تجريدهم من تلك القوة التي كبتوا بها حرية البشر بها وصمتوا عن القمع والإذلال بل القتل بالهوية الذي تعرض له الشعب العربي في العراق والدمار الذي حاق بالعراق وأعاده عقودا إلى الوراء، وكل ذلك تم باسم الدين بل على يد بعض من رجاله الفاسدين.
وباسم الدين، والدين براء من ذلك العمل، يتم تدمير وطمس التاريخ العربي والإسلامي، فبعد أن عجز الاحتلال الذي جثم على العراق عن تدمير ذلك التاريخ، ربما خوفا أو خجلا، سلط عليه البعض ليكون ذلك التدمير باسم الدين فحدث ما شاهدناه في العراق وسوريا من هدم للتاريخ الذي كان يروي ما حدث قبل الإسلام ويتحدث بعد ذلك عن ظهور الإسلام وكيف سار وانتشر، وكان ذلك سيحدث في مصر كذلك لولا أن سلمها الله وحفظ التاريخ المصري من أن تطاله أيديهم التي كانت على وشك أن تفعل ما فعله من يماثلها في الشام والعراق.
باسم الدين يقتلون وباسم الدين يسرقون وباسم الدين يتآمرون على الناس والأوطان ونجدهم في كل ذلك ينقبون في التاريخ الإسلامي والقرآن والسنة ويجتزئون كلاما يبررون به أفعالهم دون وضع هذا الكلام أو الموقف في سياقه الصحيح الذي يصل إلى تحريم ما يفعلون، وكل ذلك ليس مستجدا، بل قرأناه في تاريخنا كثيرا، وذكر التاريخ أسماء كثيرة لبست عمامة الدين وشوهت الدين أو مارست ما يرفضه الدين... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية