العدد 2509
الجمعة 28 أغسطس 2015
banner
الانتفاضة العربية في العراق أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الجمعة 28 أغسطس 2015

هل يكون ما يحدث في العراق نوعا من عودة الوعي إلى الساحة العراقية، مع أن الوعي في العراق لم يفارق الساحة في الحقيقة، ولكن يبدو أن هناك كثر تم تغييبهم وتصوير الأمر على نقيض حقيقته ثم تبينت لهم الحقيقة بعد ذلك وفهموا الواقع المناقض لما صُوِّرَ لهم من قبل، ونعني بهؤلاء تلك الفئة التي اعتقدت أن ما حدث في العراق من غزو عام 2003 تغييرا لحكم ديكتاتوري من اجل الدخول في حكم ديمقراطي، ولكن مع مرور الوقت فهموا أن ما دخلوا فيه لم يكن أكثر من تخلف وهيمنة فارسية على البلد وتسيير فرق الانتقام المحلية والمستوردة لتجريد العراق من إمكاناته وقوته.
ما يجري في العراق ليس انتفاضة طائفية كما أُرِيدَ تصويرها في بدايتها ولكنها كما نرى ونشاهد انتفاضة شعبية مدنية على بعض العمائم الفاسدة التي استولت على المال العام، وعلى الحكم الفاسد الذي حول العراق إلى بلد متخلف وعلى الهيمنة الفارسية التي استفحلت في العراق وجعلت منه بلدا تابعا وليس مستقل، فهذه الانتفاضة ربما تكون بمثابة تحسس وجس للنبض كما يقال قبل أن تبدي ما تريد أو ما يريد الشعب قوله، ولكنها رويدا رويدا بدأت في الكشف عن أهدافها من خلال الشعارات التي ترفعها والتي آخرها ما شاهدناه اليوم وأمس من عداء لإيران ومطالبة بطردها من العراق، فقد عاد نوع من التوحد بين أبناء الطائفتين في العراق بعد أن فاض الكيل بهما وفهم أبناء الطائفة الشيعية أنهم خدعوا وأن ما جري في العراق ومازال يجري هو احتلال فارسي وليس تحولا شيعيا للبلد – مع رفضنا شخصيا للاثنين من حيث المبدأ – وفهم الشباب الذين كانوا أطفالا يوم الاحتلال أن دولة العراق تتم سرقتها بالكامل لصالح أفراد – شيعة وسنة – هيمنوا على مقدرات البلد باسم الدين والطائفية وتحت شعارات زائفة من المظلومية الخادعة ومارسوا الفساد بكل أشكاله السياسية والاجتماعية وغيرها وحولوا البلد إلى مجرد غنيمة لهم ولفارس.
بدأت الشعارات المرفوعة ترفض العمائم التي بها يحكم العراق حاليا وترفض إيران التي لها اليد الطولى في العراق والتي أرسلت أحد مسؤوليها – قاسم سليماني - لمنع محاكمة المجرم جواد أو نوري المالكي في تدخل سافر ومقيت في الشأن العراقي، فإيران تعي جيدا أن محاكمة المالكي على فساده وإفساده تعني كشف الكثير من الحقائق التي كانت غائبة عن شعب العراق، الشعب الذي تم تجويعه طوال الأعوام الماضية من اجل حفنة من المتنفعين على حسابه ومن أتباع فارس التي لم ترد خيرا لشيعته يوما.
وحتى “المرجعيات” التي كانت موافقة على ما كان يجري تحت سمعها وبصرها، ووقفت مع المالكي طوال سنوات، قررت السباحة أخيرا مع التيار والحديث عن الإصلاح، لذلك نراها تبادر بالدعوة إلى الإصلاح ليس رغبة فيه ربما ولكن خوفا من غضب الشعب عليها في آخر المطاف.
 هذا الشعب العربي أيقن أخيرا أن معظم من يتمسح بالدين ويريد تجريد البشر من عقلهم باسم الدين ليمارس ما لا يرضاه الدين نفسه والذي يدعو إلى العدالة والمساواة، معظم هؤلاء لا علاقة لهم بالحكم ولا يعرفون غير تخدير البشر باسم الدين الذي دعا منذ بدايته لتحكيم العقل ووضعه في مرتبة عليا، ومع ذلك يريد هؤلاء التقليل منه وإنزاله – أي العقل - إلى أدنى المراتب خوفا من أن يبين حقيقتهم للبشر ويكشف مساوئهم.
ما يبدو في الأفق أن الشعب العربي في العراق خرج ولن يعود إلى ما كان عليه حتى لو خفت حدة المظاهرات او حتى توقفت لفترة، بل ستتطور الأمور شيئا فشيئا وتزداد المطالب السلمية عنده كوسيلة وحيدة لاسترداد وطنه المسلوب منه وإعادة توجيه دفة السفينة العراقية إلى اتجاهها الصحيح الذي كانت عليه قبل الغزو ألا وهو الاتجاه الوطني العربي، فقد أثبت المتمسحون بالدين ممن استولوا على السلطة سواء في العراق أو في غيرها، أثبتوا أنهم ليسوا أهلا لثقة الشعب وأنهم لا يعملون في اتجاه المصالح العامة، بل إن الكثيرين منهم يتلقون أوامرهم من جهات تقع خارج الوطن... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .