العدد 2479
الأربعاء 29 يوليو 2015
banner
القانون المهدور في بلادنا العربية أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 29 يوليو 2015

ربما يكون هو من أكثر الأمور انتهاكا في وطننا العربي، قالقانون يتم انتهاكه بالقانون وعن طريق ما يطلق عليه في بعض البلاد العربية القانون أيضا، مع أننا نعرف جميعا أن الأحكام التي يصدرها بعض القضاة لا علاقة لها بالعدالة ولا القانون الإنساني، وهذا يجعلنا، وغيرنا، نصف بعض جلسات المحاكم في وطننا العربي بمسرحية هزلية كوميدية يكون البطل فيها القاضي الذي يمثل دور القائم على العدالة، مع أنه في قرارة نفسه يعي جيدا أنه يمارس دورا مرسوما له ولا علاقة لهذا الدور لا بالحق ولا العدالة.
الأمثلة كثيرة نراها كل فترة على مدى الأرض العربية التي يتم انتهاك سترها اليوم ولا نرى رأيا للكثير من الممثلين القضاة، فالأحكام القضائية التي تصدر من بعض القضاة يتحسس فيها أولئك القضاة موقف من يصدر الحكم بحقه من أصحاب النفوذ من السلطة التنفيذية التي يكون لها دور مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى في نوع الأحكام التي تصدر، فإن كان المتهم من المعارضين لهذه السلطة فإن الحكم يكون قاسيا ويبحث القاضي عن أي دليل، حتى لو كان ضعيفا أو جانبيا، ليوقع أقسى حكم يستطيعه، بل نجده يبحث في بنود المواد القانونية ويجيرها ليكون حكمه قاسيا بشدة حتى ترضى السلطة التنفيذية التي يقول إنه مستقل عنها، أم إن كان المتهم من المقربين الأعزاء على الحكم والسلطة القائمة، فإن القضاء – هذا إذا وصل المتهم للقضاء – يتعب كثيرا ليجد منفذا يبرئ به المتهم، وإن لم يستطع يصدر حكما يماثل البراءة التي يبحث عنها ويعجن المواد القانونية ليصل إلى مثل هذه الأحكام.
ربما تكون أشهر المحاكمات – أو المسرحيات – التي شاهدناها في بداية هذا القرن، هي محاكمة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وشاهدنا كيف كان يتعامل القاضي معه وكأنه خصم له وليس قاضيا يرى قضية معروضة أمامه، وشاهدنا كيف كان يتجاهل أدلة النفي ويبحث عن أدلة الإثبات لأنه في قرارة ذاته وبتوجيه من السلطة التنفيذية حينها ومن يجلس على قمتها كانوا جميعا يريدون رأس صدام حسين بأي شكل ووسيلة وكان الاحتلال الأميركي الأوروبي يدعم في هذا الاتجاه، لذلك شاهدنا أحاكم الإعدام تصدر، واحدا تلو الآخر، بحق صدام حسين وجميع من كان معه في السلطة حينها، ثم يأتي من يقول إن العراق به قضاء مستقل وعريق، وهو صادق ربما في الثانية وكاذب في الأولى.
ثم مؤخرا وفي ليبيا نسمع أن حكما بالإعدام صدر بحق سيف الإسلام القذافي، فقط لأنه نجل العقيد معمر القذافي الذي تهاوت ليبيا بمقتله وتحولت إلى فوضى لا أول لها ولا آخر وجعلت الكثيرين يترحمون على أيامه حتى لو كانوا من المعارضين له، عموما صدر الحكم بالإعدام ولا نعرف هل سينفذ قريبا أو بعد حين أو سيلغى، فهذا في حكم الغيب، ولكن ما يهمنا في هذا المقام هو الحكم ذاته حتى مع عدم قراءتنا لحيثياته والأسباب التي دعت القضاة ليصدروا هذا الحكم، فنحن نراه نوعا من الانتقام وليس اتباعا لقانون.
ما نفهمه في معظم البلاد وجل القوانين أن أحكام الإعدام تصدر في حق المتهمين بتهم كبرى مثل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، كما يرد في المواد القانونية، أو الخيانة الوطنية العظمى والتخابر مع أعداء الوطن لتغليب مصالح أولئك الأعداء على الوطن نفسه، أو في بعض البلاد الإسلامية تصدر أحكام الإعدام بحق المتهمين بالاغتصاب المقرون بالخطف على سبيبل المثال لا الحصر، ولكن أن يعدم إنسان فقط لأنه كان يملك نوعا من السلطة ونحن نختلف معه فإن هذا لا علاقة له لا بالقانون ولا بالعدالة التي يهدف لها أي قانون، وسيف الإسلام القذافي لم نسمع أنه قتل إنسانا متعمدا ومترصدا له ولم نسمع أنه خان وطنه وتخابر مع دول أجنبية للإضرار بهذا الوطن فكيف يكون الحكم عليه بالإعدام، وهذا لا يعني أن سيف الإسلام على حق، بل كنا نختلف معه في أيام قوته، ولكن هذا لا يعني تجيير القانون لخدمة أفراد معينين في سبيل الانتقام من آخرين.
هذا ما يعني بلا شك أن القضاء في ليبيا إضافة للعراق لا علاقة له بالعدالة كما قلنا بل هو يهدف لخدمة من بيده القرار لإرضائه، بالتالي فهو غير مستقل ولا يتبع القانون الإنساني... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .