العدد 2396
الخميس 07 مايو 2015
banner
حرية الإعلام بين الخيال والواقع أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الخميس 07 مايو 2015

قد يختلف معي الكثيرون من المستفيدين من تضاؤل الحرية الإعلامية أو حرية التعبير عن الرأي في ما تطرقت إليه بالأمس حول حرية الإعلام في وطننا العربي وكونها ليست موجودة في الحقيقة إلا على الورق، أي نظريا فقط، ولكنها في الواقع والحقيقة ليست كذلك، بل ربما تكون قد تقلصت في السنوات الأخيرة بسبب ما مر به وطننا العربي من أحداث، لذلك من المهم التطرق إلى مقومات تلك الحرية والعناصر والقوانين المؤثرة فيها والمحددة لها كي يكون للكلام معنى وليس كلاما في الهواء.
كي تكون لدينا حرية تعبير من المهم أن يكون لهذه الحرية منبر يستخدم في التعبير عن الرأي، وحين نقول منبرا فإننا نعني جهات يستطيع من خلالها صاحب الرأي ان يعبر عن رأيه دون خوف أو وجل ويتاح له ذلك التعبير دون عوائق أو منغصات، ولا أظن أنه يوجد بيننا من يستطيع تحديد ذلك المنبر لانعدامه في الحقيقة إلى الدرجة التي تجعل من يبحث عنه كالذي يبحث عن إبرة في كومة قش كما يقال.
ولكي تكون لدينا حرية تعبير سليمة من المهم أن تكون لدينا وسيلة واضحة وميسرة للحصول على المعلومة والبحث فيها لفهمها وتكوين رأي بخصوصها بعد تحليلها وربطها بغيرها من المعلومات والأحداث، ولكن في الحقيقة نجد أن الحصول على أية معلومة يمر بعوائق لا أول لها ولا آخر، بل تصل إلى حد المنع العلني ليس فقط بالقانون بل بمزاج من يملك تلك المعلومة أو من يكون مسؤولا عنها، لذلك تكون بعض تلك المعلومات متاحة لأفراد دون آخرين من الذين يتم تسخيرهم لخدمة النظام في أي مكان حيث إن الهاجس الأمني هو المعيار في تمرير أية معلومة لجهة دون أخرى.
ولكي تكون لدينا حرية تعبير أو حرية إعلامية من الضروري ان يكون لدينا قانون يحمي هذه الحرية ويحمي من يستخدمها من بطش المؤسسة ويحمي بالتالي مصدر أية معلومة يتم استخدامها هنا أو هناك، ولكننا لا نجد ذلك عند النظام العربي، فلا يوجد قانون يحمي حرية التعبير حماية حقيقية ولا يوجد قانون يحمي مصادر المعلومات ولا يوجد قانون يجبر من عنده معلومات أو من يكون مسؤولا هنا أو هناك بمنح المعلومات لمن يطلبها.
ولكي تكون لدى أية جهة حرية تعبير حقيقية من الضروري أن تكون وسائل النشر والتعبير متمتعة هي ذاتها بالحرية ولا تعيش هاجس الخوف على الذات ولا يعيش القائمون عليها في خوف دائم ومستمر من المستقبل ولا يكون مصيرهم مهددا في أية لحظة بسبب فورة من الغضب يمكن أن تجتاح مسؤولا هنا أو هناك بسبب رأي من الآراء يمكن أن يطاله أو يطال الجهة التي يقوم عليها، فتمتع وسائل النشر بالحرية يعطيها الاستقلالية اللازمة التي تحتاجها حرية التعبير، من هنا لو نظرنا لتلك الوسائل، المسموع منها أو المقروء أو المشاهد لنتساءل، هل نرى أيا منها مستقلا في حقيقته، والجواب بالقطع لا، حتى لو لم تكن تلك الوسائل مملوكة للأنظمة وتكون ملكيتها لأفراد أو مؤسسات خاصة، فهي في حقيقتها خصوصا في الأنظمة الرأسمالية ليست حرة بل مقيدة بصورة أو بأخرى. فتكون في حقيقتها معبرة عن رأي المؤسسة وملمعة لها حتى عن طريق الكذب والنفاق كون القائمين عليها مجرد موظفين يؤدون دورا مرسوما لهم مسبقا ولا يملكون تغييره أو تعديله وإلا فقدوا وظيفتهم وفقدوا الهالة التي ترسمها المؤسسة عليهم ومن حولهم والامتيازات التي يحصلون عليها، فلا تملك المؤسسات الخاصة تلك الحرية كونها معبرة عن رأي مالكيها وتسير على رسالة إعلامية يرسمها أولئك القائمون أو المالكون للمؤسسة وهذه الرسالة تقوم على مصالح المالكين ويحددها الربح المادي الذي يجعلها قادرة على الاستمرار، بمعنى أن الإعلان يلعب هو الآخر دورا مهما في تقييد تلك الحرية.
والنتيجة ان حرية التعبير هي في الواقع ضحية لكل أولئك، ضحية للأنظمة، ضحية للخوف الذي يعتمر داخل الأفراد... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية