العدد 2258
السبت 20 ديسمبر 2014
banner
مافيا السوق والبترول أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
السبت 20 ديسمبر 2014

  منذ سنوات عديدة سمعنا عن رغبة أحد التجار المبتدئين الدخول في مجال استيراد المواد الغذائية التي كانت، ولا أعلم إذا كانت لا تزال،  حكرًا على عدد محدود من التجار المتحكمين فيها، ربما ثلاثة أو أربعة تجار، لا أعلم ، المهم أن هذا التاجر الصغير استورد كمية من المواد الغذائية إلى السوق دون استئذان من أولئك التجار، وحبّذا لو يفسّر لي أحد ما معنى استئذان هنا، المهم أنه بعد أن استوردها هبطت أسعار تلك المواد إلى الحضيض بصورة متعمّدة وأصبح بين نارين، إما أن يبيعها بخسارة لا يقوى عليها وإما أن تتلف عنده أو يحل المشكلة مع أولئك التجار، طبعًا شخصيًّا لا أعلم ما حدث بعد ذلك، ولكنها حكاية حدثت ولا أعلم حقيقتها، المهم هنا أن أولئك التجار المتحكمين في سوق المواد الغذائية أرادوا أن يعاقبوا التاجر الصغير ويلقنوه درسًا اقتصاديًّا فخفّضوا الأسعار كونهم قادرين على تحمّل الخسارة المؤقتة أو ربما الربح البسيط لمدة محدودة كافية لتلف ما عند التاجر الجديد. ونرى في الأفلام العربية ما يشبه ذلك بالحرف حين تريد مافيا السوق معاقبة الداخلين الجدد أو من يشذ عن الطوق منهم أنفسهم، فيعملون على خفض السلع أو القيام بما يلزم لمعاقبة ذلك الجانح أو الوافد الجديد، ويلقنوه درسًا اقتصاديًّا، وعليه بعدها أن يكون مطيعًا أو يتحمّل خسارة لا يقوى عليها فيعود إلى الطوق من تلقاء نفسه ويعلن التوبة. في الحالتين لا تكون الأسعار ولا الخسارة الناتجة عنها ناتجة عن حدث اقتصادي أو تغيّر في السوق قائم على العرض والطلب عندما يزداد العرض على الطلب فتنزل الأسعار والعكس صحيح، بل هي عملية شبه سياسية أو سياسية بحتة تؤثّر في الجانب الاقتصادي وتبدو وكأنها حدث اقتصادي، ففي حالة العرض والطلب فإن ما نفهمه أن صاحب المنتج يعمد إلى خفض إنتاجه أو تصنيعه للمادة المطلوبة عندما يزداد عرض سلعتها حتى لا تفقد قيمتها السارية، ويستمر ذلك حتى يحدث التوازن المطلوب فتعود الأسعار إلى ما كانت عليه، إلا أن ما يحدث الآن أمر مستغرب في ما يخص النفط.
 نعلم أن تاجرًا جديدًا وفد إلى السوق النفطي متمثلاً في النفط الصخري الذي تم اللجوء إليه بعد ارتفاع الأسعار وتجاوزها المائة دولار للبرميل، ونعلم في الوقت نفسه أن هناك من التجار من هو جانح ويراد تأديبه ليعود إلى الطوق ولا يستطيع تحمل الخسارة مثل غيره، ولكننا نعلم في الوقت نفسه أن هذه السلعة حيوية تقوم عليها ميزانيات دول وتدفع منها رواتب شعوب وهي العمود الفقري للكثير من الاقتصاديات العربية التي ليست عندها بدائل لذلك النفط، لذلك فإن انخفاض أسعاره بهذه الصورة الدراماتيكية يمكن أن يوقف مشاريع تنموية نحن بحاجة ماسة لها خصوصًا ونحن لا نملك بدائل أخرى من المنتجات، بمعنى أننا دول ريعية تعتمد على سلعة واحدة بالأساس، ولم نعمل بصورة جادة على تنويع مصادر الدخل التي يجري الحديث عنها منذ سنوات دون فعل حقيقي لإيجادها على أرض الواقع، فبقينا دولاً نفطية ولسنا دولاً صناعية يمكن أن تتحمّل انخفاض الأسعار لمدة طويلة، كما حدث عند التجار الذين تحدثنا عنهم في البداية، فلا توجد عندنا بدائل اقتصادية وإنتاجية تساهم في الاستقرار الاقتصادي المطلوب حتى تتم المهمة. هذا يعني قبل أي شيء آخر ضرورة العمل على عودة الأسعار للمستوى المناسب عن طريق خفض الإنتاج والضغط على باقي المنتجين للسير في هذا الطريق لتستقر السوق من جديد، ولكن ما نراه ونستغربه في الوقت نفسه أن ما يجري هو الدفع لخفض الأسعار أكثر وأكثر وبصورة مناقضة للمنطق ... والله أعلم.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية