العدد 2257
الجمعة 19 ديسمبر 2014
banner
بالقـانــون.. نعـم.. ولكـن أي قانــون؟ أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الجمعة 19 ديسمبر 2014

قلنا بالأمس إن تحضر المجتمعات يقاس في الكثير من الجوانب بالقانون الذي تسير عليه تلك الأمم، ولكن على الجانب الآخر يمكن أن يقفز تساؤل، وهو تساؤل منطقي، مفاده هو ماهية ونوع القانون الذي يقاس به ذلك التحضر، فجميع دول العالم حاليا لديها قوانينها الداخلية والدولية ولكنها واضحة التخلف، بعيدة عن التمدين والتطور مع أنها دولة معترف بها عالميا... هنا يكون التساؤل منطقيا بل واجبا.
هل هو القانون الذي يفرز المجتمع ويجعل من المواطنين درجات متفاوتة “فوق وتحت.. يمين ويسار”.. أم هو القانون الواحد للجميع والذي يساوي بينهم مهما كانت انتماءاتهم أو درجاتهم الطبقية أو ما يملكون وما لا يملكون؟ القانون الأعمى الذي لا يرى من أمامه بل ماذا فعل الذي هو أمامه، أم القانون الذي يلبس البرقع أمام البعض ويكشر عن أنيابه أمام الآخرين، القانون الذي يغض الطرف عن البعض أم القانون الذي يبحث عن أخطاء أو يصنع أخطاء للبعض الآخر؟
القانون الذي يعلي من مكانة الإنسان ككائن كرمته جميع الشرائع السماوية قبل القانون الوضعي نفسه أم القانون الذي ينظر إلى ذلك الإنسان كترس في عجلة كبيرة تجور عليه واجب فقط ثم يستبدل بغيره عندما تنتهي مهمته أو يعجز عن أداء تلك المهمة.
القانون الذي يعلي من كرامة الإنسان المواطن ويحافظ عليها ويمنع صاحب القوة من المساس بها من أي جهة كانت وليس القانون الذي يهين المواطن العادي والطبيعي ويكرم آخرين ويعلي من شأنهم فقط؛ لأنهم يملكون أو أنهم قريبين من صاحب القرار.
القانون الذي يعطي الفرصة لمن يستحقها أيا كان انتماؤه أو ما يملك وليس القانون الذي يخلق الفرصة لغير مستحقيها ويحجبها عن مستحقيها، فقط لأن البعض من المقربين والآخرين من المغضوب عليهم.
القانون الذي يجعل المؤسسات فوق الأفراد والمجموع أهم من الفرد أيا كان ذلك الفرد وليس القانون الذي يقلب الصورة ويجعل من الفرد فوق الجميع وتكون المؤسسات فيه مجرد أشكال وكأنها خيال المآتة الذي لا قيمة حقيقية له.
لكي تكون الدولة متحضرة، وليست بالضرورة متقدمة، لابد أن يكون لديها قانون كما يصفه الفقه القانوني، قانون يمثل قواعد عامة مجردة وليس قانونا تفصيليا يخدم البعض ويضر بالبعض الآخر، من الضروري أن يكون لديها قانون سليم كتابة ويمكن تطبيقه بصورة صحيحة، فكتابة القانون حاليا قد تكون سهلة ميسرة في ظل التطور القانوني الذي يشهده العالم في عصرنا الحديث، ولكن المشكلة تكمن في كيفية تطبيقه وتنفيذه، ففي التطبيق والتنفيذ تكمن المشكلة في الكثير من الدول؛ لأن الكثير منها تملك قوانين جميلة ولكنها تتعامل معها مثل ما يتعامل الإنسان مع اللوحة الفنية الجميلة الموضوعة داخل إطار أنيق ولكن لا معنى عمليا لها.
لكي تكون الدولة والمجتمع متحضرَين من الضروري أن يخلق القانون فيهما مساواة حقيقية بين البشر ويمنع التمييز بين المواطنين ويعلي من شأن الصالح منهم ويعاقب المقصر، ومن الضروري أن يكون تطبيقه على الجميع دون مواراة للبعض من الذين يستطيعون تجاوزه وكسره ويعجز هو أو مؤسساته من المساس بهم.
إذا كان لدينا أو لدى غيرنا من الأمم مثل هذا القانون الملزم والإنساني ويكون المجتمع قادرا على تنفيذه فإننا وغيرنا نستحق كلمة التحضر، والعكس صحيح... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .