العدد 2255
الأربعاء 17 ديسمبر 2014
banner
رجال الزمن الجميل أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 17 ديسمبر 2014

“ليس مطلوبا من هذا المرفق أيها الإخوة أن يأتي كل يوم وليلة وينشر على أمواج الأثير أو شاشات التلفزيون صورة فيصل أو قال فيصل أو عمل فيصل أو أراد فيصل.. لا.. ليست هذه مسؤوليته..
أيها المواطنون..
أحب أن أتقدم إليكم بشكوى، وهي شكوى من وزارة الإعلام، دائما وباستمرار وخلاف رجاءاتي لها أو تتجنب نشر الصور الخاصة بي أو الكلمات الرنانة التي تقال في أو الأغاني التي تكال... إنه ليحز في نفسي حينما أسمع من الإذاعة أو في التلفزيون هذه الكلمات والإقراء والمديح لفيصل؛ لأن فيصل إذا كان يعمل وإذا كان يقوم بشيء من واجبه فهو لا يشكر على ذلك، بل يجب عليه هو نفسه أن يشكر ربه إذا وفقه إلى ذلك”.
كانت تلك كلمات الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله في ستينات القرن الماضي حين كانت حقوق الإنسان أمر غريب على الكثيرين ولا منظمات دولية تدافع عن تلك الحقوق أو محاكم متخصصة فيها، كان فيصل رحمه الله في تلك الكلمات البسيطة التي تخرج من القلب يوجه رسالة إلى الجميع وهو يخاطب الشعب، أولها هو إقراره وإيمانه بان الشعب مصدر السلطات، ليس بالدساتير المكتوبة المنمقة ولكن بالواقع، لذلك وجه شكواه من وزارة الإعلام للشعب نفسه وليس لغيره، وثاني تلك الرسائل هو فهمه بأن وسائل الإعلام يجب أن تكون حيادية مهنية في أداء رسالتها وليس عملها هو منافقة الملوك وأصحاب القرار والتزلف لهم ومحاباتهم على حساب الشعب ذاته، وثالث الرسائل هو فهمه لوظيفته كحاكم، وهي أنه مكلف بالعمل من أجل الشعب ولصالح الشعب ولا ينتظر مكافأة على أدائه لواجبه أو الشكر من هنا أو هناك، وآخر تلك الرسائل هو فهمه أن المديح الزائد عن الحد هو مفسده لمن يكال له يريه غير الحقيقة ويخلق فيه نوع من التوحد البعيد عن الواقع ويجعله ممن يعتقدون بالحق في كل ما يعمل مما يوقعه في أخطاء يتضرر منها الكثيرون وهو لا يدري.
هذه كلمات فيصل رحمه الله في تلك السنوات، ولنقرأ كلمات أخرى من شخصية أخرى، وأعني به الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في مؤتمر صحافي جمعه مع ممثلي أجهزة الإعلام المختلفة (ونحن نتكلم عن الستينات وليس الوقت الحاضر) في ذلك اللقاء، قال: “... لقد وجدت أنه من حقكم وأنتم جميعا هنا تقومون بمهمة لها قداستها من ناحية حرية الأنباء، ولها خطورتها من حيث التأثير على الإحساس العالمي العام بالمشاكل، أن ألتقي بكم وأتحدث إليكم بنفسي فيما تريدون سؤالي فيه.
وأقول لكم صراحة إنه ليس لدينا ما نريد أن نطلبه منكم أو ما نريد تفويته عليكم. نريد أن نقول لكم الحقيقة في كل ما يهمكم من تفاصيل الحوادث كما نراها. ذلك كما قلت لكم واجب علينا في مسألة متعلقة بقضية الحرب والسلام.
وأما الباقي فليس لنا شأن به وهو ملك لضميركم المهني ومسؤوليتكم أمام الجماهير الواسعة التي تقومون بخدمتها في كل بلاد العالم”.
هذه الكلمات كما قلنا خرجت من لسان جمال عبدالناصر في ستينات القرن الماضي وكأن التاريخ يريد أن يقول لنا ولغيرنا أن الأمة أنتجت في تلك الفترة من يفهمها ويقدرها ويعمل من أجلها.
كان الاثنان، فيصل وعبدالناصر رحمهما الله، على وعي كامل بدور الإعلام وواجبه تجاه الشعوب وليس الإفراد، وأن دور الإعلام ليس التطبيل للفرد بقدر ما يتمثل في خدمة المجموع ونقل الحقيقة بلا رتوش يفقدها معناها أو يغير ذلك المعنى. رحم الله ذلك الزمن الجميل.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .