العدد 2813
الإثنين 27 يونيو 2016
banner
البحرين ومثلث القلق مؤنس المردي
مؤنس المردي
الإثنين 27 يونيو 2016

أكاد أشعر أن الولايات المتحدة الأميركية قد قامت بتعيين مسؤولين خاصين بنا يتابعون أحوالنا، ويناقشون أمورنا، ويحللون أوضاعنا، ويحكمون على قراراتنا، كما أشعر أن الأمم المتحدة بعظتمها لا تتقمص دور تلك المنظمة الدولية إلا فيما يتعلق بقضايانا وما يخص شؤوننا.

من الجيد أن يكون هناك قرب واهتمام متبادل بين الدول، ولكن أن يتوحد هذا الاهتمام أو يتركز في توجيه انتقادات ونصائح واتهامات وتعبيرات عن القلق والمخاوف، فهذا يعني إما أن العلاقة ليست إيجابية، وهذا أمر مستبعد في ظل التأكيدات الأميركية على أن البحرين حليف استراتيجي وصديق مهم، وغير ذلك من التعبيرات الوردية والتصريحات الرسمية، أو أن يكون شيء ما غامض تسعى إليه أميركا أو تسير وراءه بقصد أو من دون قصد.

ويزيل هذا الغموض، ذلك التلاقي الغريب والدائم بين إيران وأميركا في المواقف تجاه تطورات الأوضاع في البحرين، والذي تجسد في انتفاضتهما تجاه ما اتخذته المملكة مؤخرا من إجراءات قانونية وقرارات ضرورية؛ لحفظ أمنها وسلامة شعبها، ومنع أي محاولة للعبث بنسيجها الاجتماعي وسيادتها واستقلالها.

الإجراءات واضحة وبديهية ولا تتفرد بها المملكة حتى تكون مصدر كل هذا الاهتمام والانشغال بها، بل تحدث يوميا في دول هناك وهناك، لكننا لا نشعر بها؛ لأن المشكلة ليس في الإجراءات ذاتها، وإنما في الدولة التي تتخذ هذه الإجراءات، فعندما تكون داخل الإطار والمدى «المفترض» للوصاية الإيرانية، فهنا تكون «الجناية» الكبرى التي ترتكب من هذه الدول (الخليجية عمومًا والبحرين خصوصًا) إذا أرادت الحفاظ على أمنها واستقرارها. أما خارج هذا الإطار، فلا مشكلة لدى أميركا أو إيران أو حتى الأمم المتحدة.

إعدامات مؤثرة لعلماء وقعت دون أن نسمع لهم صوتًا، وإسقاطات الجنسية لشخصيات لها شعبية كبيرة دون أن يكون لهم موقف رافض، بل وجدنا صمتًا رهيبًا وسكوتًا طويلاً ما يعني قبولا وترحيبا بهذه القرارات أو عدم الاهتمام بها أصلا؛ لأنها وقعت في دول خارج دائرة الضوء الأميركي والإيراني، بل والأممي؛ لأنه مسلط فقط على دولنا ويهدف بالأساس إلى الحيلولة دون قوتنا وسيادة قرارنا.

وهنا نؤكد أن العيب ليس في الإجراءات التي اتخذتها المملكة تأكيدًا لدولة القانون، واحتراما لسلطة القضاء، ومنعًا لانزلاق الأوضاع إلى مستويات خطيرة، ورغبة في مواصلة مكتسبات هذا الوطن، وإنما العيب فيمن يتخذ موقف الرافض لها والمحذر منها، ويكفينا للتأكيد على ذلك شاهدين رئيسين، وهما: ذلك التأييد الشعبي الهائل لهذه الإجراءات التي نطقت بلسان كل بحريني غيور على وطنه ودينه وهويته، ولم يشذ عن ذلك إلا من يدور في فلك مثلث القلق (أميركا وإيران والأمم المتحدة)، ويرتبط به ويقدم دعمًا إعلاميًا داخليًا له. أما الشاهد الثاني، فهو ذلك الدعم الواسع النطاق الذي عبرت عنه عديد من دول العالم لإجراءات البحرين ضد كل من يحاول أن يقوض أمنها أو يستقوي بالأجنبي ضد أبنائها، وهذا الدعم يؤكد أن ما أقدمت عليه المملكة هو الأمر الواجب والطريق الثاقب الذي تسير عليه كافة دول العالم بلا استثناء.

لقد اختارت قيادتنا الحكيمة دولة القانون والمؤسسات وصممت مع شعبها المتكاتف والمتعاضد على ذلك؛ لإرساء دولة عصرية قوية لا يمكن التهاون مع من يسعى للنيل منها أو الإساءة إليها سواء كان شخص يظن أنه فوق قوانين الدولة، أو جمعية أكد القضاء بالأدلة أنها انحرفت عن المسار الصحيح، أو حتى دولة تغمض عينيها عما داخل حدودها من انتهاكات، وتحمل مفاهيم متناقضة عن الأمن والسيادة والديمقراطية أو دولة أخرى تزرع الأتباع، وتضع الأشواك في دولنا، وترى نفسها راعية لمصالح دول المنطقة وحامية لأمنها، أو منظمة فقدت المصداقية والحيادية، وتفرغت للمساعدة في تحقيق أهداف وأجندات دول بعينها.

وبالنهاية كلمة أوجهها إلى كل من ينشغل بقضايانا، حيث أتمنى منهم أن يمتلكوا البوصلة الصحيحة للقياس، وهي ما تتفق عليه قيادتنا الحكيمة مع شعبها الوفي، فهذا هو المعيار الصحيح للحكم؛ حتى لا يضيعوا وقتهم فيما لا طائل من ورائه، فقط اسمعوا من الشعب البحريني، وهو يقول لكم بصوت واضح وواحد: «ابتعدوا عنا، دعونا وشأننا، فنحن أعلم بشؤوننا».

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية