العدد 2481
الجمعة 31 يوليو 2015
banner
جولة غير ظريفة مؤنس المردي
مؤنس المردي
الجمعة 31 يوليو 2015

دبلوماسية الزيارات المتبادلة هي إحدى الوسائل المهمة في تدعيم أواصر العلاقات بين الدول إن أحسن استغلالها بطبيعة الحال أو إذا توافرت لها متطلبات ومقومات النجاح، ولكن يبدو أن إيران التي تظهر إصرارًا على خرق القواعد والمواثيق الدولية في علاقتها بدول مجلس التعاون الخليجي، لديها ذات الإصرار أيضًا على إفشال تلك الأداة الدبلوماسية، وهو ما ظهر بوضوح في الجولة الخليجية التي قام بها مؤخرا وزير خارجيتها محمد جواد ظريف وشملت الكويت وقطر، والتي يمكن أن نطلق عليها بعبارة موجزة أنها “جولة لا داعي لها”، وأنها مجرد “شو إعلامي” تحت لافتة (محاربة الإرهاب) رغم أنها كانت ملغومة بالإرهاب والتحريض ضد دول مجلس التعاون وخاصة مملكة البحرين.
فلو كانت إيران جادة بالفعل في محاربة الإرهاب ومد جسور الثقة مع دول مجلس التعاون، لكان جديرًا بها وبوزير خارجيتها أن يستهل هذه الجولة بزيارة المملكة العربية السعودية ذات الوزن الإقليمي المؤثر، ومن ثم الإمارات التي كانت من أوائل الدول الخليجية التي باركت للرئيس الإيراني حسن روحاني نجاح المفاوضات النووية والتوصل لاتفاق بين إيران ومجموعة “5+1” حول برنامج إيران النووي، رغم أنها تعاني أيضا احتلالاً فارسياً لجزرها الثلاث (أبو موسى وأبو طنب الصغرى وأبو طنب الكبرى) وكذلك زيارة مملكة البحرين التي تعاني إرهاباً يحمل بصمات إيرانية واضحة أعلنت عنها البحرين بكل شفافية أمام الملأ عندما كشفت عن ضبط أسلحة ومتفجرات مهربة من إيران عبر البحر، مما يؤكد أن العداء الإيراني لمملكة البحرين وشعبها مازال متواصلاً ومتزايدًا في وتيرته ومتنوعًا في أشكاله ومتفاقًما في أخطاره.
ولقد برهن ظريف على وجود أجندة طائفية لإيران، وذلك عندما قام بزيارة النجف وليس بغداد، في رسالة أخرى من إيران مفادها بأنها لا يعنيها شيء سوى تكريس التقسيم الطائفي في العراق وأن هذا النهج متأصل في السياسة الإيرانية بصفة عامة.
كان يجب على ظريف وفقًا للمتعارف عليه في البرتوكولات الدبلوماسية أن يزور بغداد باعتبارها العاصمة العراقية، إلا أنه آثر الذهاب للنجف والتي بها المرجعية الدينية الشيعية التي تمثل جزءا من الشعب العراقي، لكنها بالنهاية لا تعبر عن الشعب العراقي بأكمله، وهو الأمر الذي يؤكد مرة أخرى أن عنجهية الدبلوماسية الإيرانية تجاه دول المنطقة تزداد حدة يوما بعد يوم.
ربما كان ظريف يسعى إلى طمأنة الدول التي قام بزيارتها بعد الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه ولكن أنى يتأتى له ذلك بعد تصريحات علي خامنئي التي أكدت بكل بوضوح استمرار ذات السياسات الإيرانية التدخلية في دول المنطقة ومن بينها مملكة البحرين، وهو بذلك لا يدع مجالا لأي أمل أو تفاؤل في إمكان حدوث تغيير إيجابي في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول المنطقة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه رغم تردي الأوضاع الراهنة في إيران، لم تتخل طهران عن التدخل في شؤون دول الجوار، فعلينا أن نتخيل حجم هذا التدخل ومقدار زيادته وتفاقمه في حال إدخال مليارات الدولارات لخزينة الدولة الإيرانية بعد رفع العقوبات الدولية عنها بموجب الاتفاق النووي الأخير.
إن الرسائل التي تأتي من هذه الدبلوماسية إلى دول الخليج، هي أن إيران لا تقيم وزنا ولا اعتبارًا لحل المشاكل العالقة مع دول المنطقة، وهو ما يفرض علينا كشعب خليجي اتحاداً صارماً يقف ضد هذه المهازل التي تتجدد بين حين وآخر، فمن غير المعقول أن نظل متفرقين ومختلفين حول أمور مصيرية وحقائق شديدة الوضوح والخطيرة ونتبع سياسات مختلفة ونتخذ قرارات ومواقف أحادية، ونحن نرى النار الإيرانية تشتعل في دولنا وتهدد شعوبنا ومجتمعاتنا جميعا.
وبخصوص إيران، فنقول لها إن السبيل نحو علاقات طبيعية متطورة مع دول مجلس التعاون لا يتطلب تصريحات هناك أو زيارات بروتوكولية هناك، فكل ذلك لا جدوى منه إن لم تكن هناك أفعال إيرانية تعكس التزامها بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون دول الخليج والسعي بجدية وشفافية لحل الملفات العالقة.

مؤنس المردي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .