العدد 2300
السبت 31 يناير 2015
banner
دولة صهيون والإفلات من العقاب زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 31 يناير 2015



مسألة الإفلات من العقاب شغلت الناشطين والمشتغلين في مجال حقوق الإنسان ولعل أهمية هذا الموضوع برزت بشكل كبير بعد المذابح الجماعية التي قادها المتطرفون من قبائل الهوتو الذين يمثلون الاغلبية في رواندا ضد قبائل الاقلية من التوتسي في العام 1994 حيث قتل ما يربو على 800 الف شخص وتعرضت مئات الآلاف من الأمهات للاغتصاب. اعقبها في العام 1995 المجازر في حق المسلمين في البوسنة والهرسك على يد الصربيين فقد قتل اكثر من 8000 شخص واغتصبت وقتلت النساء لأنهن مسلمات. وهذه المجازر البشعة قادت الأمم المتحدة لتبني العديد من الاتفاقيات التي تجرم الإفلات من العقاب واعتبار المذابح والقتل والاغتصاب والتعذيب من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، كما قامت العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية بتتبع كل من قام بهذه الجرائم سواء بشكل جماعي او فردي.
وأفرز هذا الاهتمام الدولي إنشاء محكمة الجنايات الدولية في العام 2002م التي تنحصر مهامها في محاكمة الافراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والاعتداء، ومن مهامها ايضا ما يؤدي إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة – وهي ثقافة قد يكون فيها تقديم شخص ما إلى العدالة لقتله شخصا واحدا أسهل من تقديمه لها لقتله مئة ألف شخص مثلاً، فالمحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفضائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري.
ورغم اهمية هذه المحكمة إلا انها لا تستطيع ان تقوم بعملها إلا بطلب من المحاكم الوطنية ولعل هذا الأمر احد اهم الاسباب التي كانت وراء رفض الدولة الصهيونية وأميركا السماح للفلسطينيين بأن تكون لهم دولة حيث تستطيع حينها السلطة الفلسطينية الطلب من محكمة الجنايات الدولية النظر في المجازر التي قام بها قادة الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين. إلا ان الفلسطينيين استطاعوا ان يكسبوا موافقة الأمم المتحدة لتكوين دولة بصفة مراقب يحق لها ان تنضم الى العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية التي تقدمت لها الدولة الفلسطينية ونالت عضويتها في السابع من يناير 2015م. ورغم ان هذه الورقة استخدمتها السلطة متأخرة وبهدف الضغط على السلطة الصهيونية للدخول في مفاوضات السلام من غير شروط ومن اجل ايقاف الاستيطان الصهيوني، إلا انها بالنهاية تحقق هدف تقديم قادة الكيان الصهيوني للعدالة. فإذا كانت الدول الاوروبية التي تتشدق بحقوق الإنسان والعدالة عبر تغيير قوانينها مثل بريطانيا لتسمح للإرهابية سيفي لبني المتهمة بمجازر ضد الإنسانية بدخول اراضيها فإنها لا تستطيع تجاوز احكام المحكمة الجنائية الدولية.
وتظل سرعة موافقة الأمم المتحدة على عضوية فلسطين في المحكمة تفرض التساؤل حول المدى الذي تستطيع فيه السلطة الاستفادة من هذه العضوية حيث لا تستطيع المحكمة تطبيق اي من احكامها على قيادات الكيان الصهيوني داخل الأراضي المغتصبة وذلك لكون الكيان الصهيوني غير عضو في المحكمة حيث ينص نظام المحكمة على ان تكون الدولة عضوا حتى يمكن تطبيق الاحكام عليها او ان يقوم مجلس الأمن في الامم المتحدة تحت البند السابع بتطبيق الاحكام، وحيث ان اميركا عضو من اعضاء مجلس الامن هناك شك كبير في تطبيق هذه الاحكام، اضافة لذلك من المؤكد ان السلطة الفلسطينية في حالة الدخول في مفاوضات سلام كما تسميها مع الكيان الصهيوني سوف تعلق هذه الاحكام. وعليه نتمنى ان تواصل السلطة الفلسطينية السير في اجراءات القضية رغم هذه الصعوبات فهي على الأقل ستحد من تحرك قادة صهيون في العديد من الدول الموقعة على الاتفاقية حيث بإمكان هذه الدول تسليمهم لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .