العدد 2258
السبت 20 ديسمبر 2014
banner
أميركا الظل زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 20 ديسمبر 2014


 ندّد الرئيس الأميركي بالوسائل المخالفة لقيم الولايات المتحدة الأميركية في بيانه تعقيبًا على فضيحة وكالة الاستخبارات الأميركية بعد كشف عمليات التعذيب البشعة وغير القانونية التي كانت تمارسها بعد هجمات 11 سبتمبر 2011م، فقال: “هذه تقنيات شوّهت كثيرًا سمعة أميركا في العالم”. وأميركا تفخر دائمًا بأنها راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان والمدافع الأول عنها. هنري كسينجر وزير الخارجية الأميركي السابق يقول في كتابه – النظام العالمي - إن الرؤساء الأميركان في كلا الحزبين حافظا على القيم نفسها التي اختطّها الرئيس هاري ترومان بعد الحرب العالمية الثانية – القيم الإنسانية والديمقراطية - التي جعلته يشعر دائمًا بالفخر. وفي أي زيارة للولايات المتحدة ترى الجانب الرسمي يؤكد دائمًا أن أميركا ليست بحاجة لكل الاتفاقيات التي يتفق عليها العالم في الأمم المتحدة، فأميركا متقدمة في الحقوق على هذه الاتفاقيات. بل إن أغلب مؤسسات المجتمع المدني تراها لا تعلم شيئًا عن هذه الاتفاقيات، بل كل ما يهمها القانون الأميركي فهو ما يمثل كل الحقوق التي ينشدها المواطن في أميركا.
 أميركا في بداية الألفية وبعد كارثة 11 ديسمبر، أعلنت تبنّيها لكل هذه القيم وكيف أنها بصدد خلق عالم جديد في الشرق الأوسط يقوم على قيم الديمقراطية والحكم الصالح والحريات العامة. كل هذه الأمور تدور في الذهن لتعود وتصطدم بالفضيحة الجديدة للمخابرات الأميركية بعد فضيحة معتقلي أبو غريب والصور التي بيّنت أنواع التعذيب والإهانة والمذلة التي عاناها العراقيون تحت سلطة بريمر الحاكم الأميركي المطلق. ولا ننسى الاعتذارات والتبريرات التي خرجت لتنظيف صفحة الديمقراطية الأميركية. أما الفضيحة الجديدة التي تبرّع الحزب الديمقراطي بنشرها بحجة أن نشر التقرير كما جاء على لسان دايان فينستاين رئيسة لجنة التحقيق أنه مفيد “لمجتمع عادل يستند إلى القانون”. ونحن هنا نتساءل هل نشر التقرير فعلاً دعمًا للنهج الديمقراطي أم هو محاولة يائسة من الحزب الديمقراطي، وهو على أبواب انتخابات رئاسية جديدة لضرب الحزب الجمهوري الذي نجح في الحصول على أغلب مقاعد الكونجرس. تظل مسألة الديمقراطية محل تساؤل وهل مازالت قادرة على حماية حقوق الأفراد بغض النظر عن انتماءاتهم وأفعالهم. لقد أثبتت الديمقراطية الأميركية خلال ما يقارب عقدين من القرن الواحد والعشرين أنها غير قادرة على مواكبة النزعة الاستعمارية والتملكية والشعور بالقوة والهيمنة التي تتلبس الولايات الأميركية وشعورها بأنها الدولة الوحيدة المهيمنة على العالم، ورغم سقوطها اقتصاديًّا أمام العملاق الصيني إلا أنها تعي جيدًا تفوّقها العسكري، وإن تقنية السلاح المتقدّم الذي تحوزه يعطيها الغلبة على كل من يفكر في محاسبتها أو الوقوف أمامها. إن هذه القدرة المخيفة هي ما يجعل أميركا تنشر تقاريرها عن ممارسات بعض أجهزته ووحشيته بكل شجاعة على العالم مدعية احترامها للقانون. إن احترام القانون يقوم على تقديم كل من شارك في ملف الفضيحة للمحاكمة وهو ملف مفصّل وردت فيه أسماء مشهورة شاركت في تعذيب المعتقلين بعد 11 سبتمبر. إن قضايا التعذيب الوحشي التي قام بها رجال الاستخبارات الأميركية، والتي اعتمدت على الإيهام بالغرق والضرب والإخضاع لدرجات حرارة متدنية والبقاء في أوضاع مؤلمة والحرمان من النوم لمدة أسبوع وغيرها من أساليب التعذيب الوحشية التي أقرّوا بها، يظل المسؤولون في السلطة مسؤولين عنها ومسؤولين عن محاسبة مرتكبيها، حيث يلزم القانون الدولي بمحاكمة كل من يقوم بالتعذيب وهذه التهم لا تسقط  بالتقادم. إن العدالة تقول بتقديم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ونائبه ديك شيني للمحاكمة، فهل ستصل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والقانون إلى هذا الحد أم ستقف عند حد النشر والتأنيب. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .