العدد 2146
السبت 30 أغسطس 2014
banner
هل هي أزمة مفاهيم أم أزمة الليبرالية الجديدة زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 30 أغسطس 2014

لم تحظ أية نظرية أو فلسفة اجتماعية بالتأثير على ثورات الربيع العربي بقدر نظرية “الأناركية”، ولعل هذا المصطلح يطل علينا اليوم بشدة ونحن نرى ونشاهد ما يحدث في بلدان الربيع العربي من فوضى وتنازع على السلطة، خصوصا في ليبيا والعراق واليمن. و”الأناركية” مصطلح مرادف للفوضى في الفكر الغربي الرأسمالي حيث شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر العديد من الثورات الاجتماعية والعمالية خصوصا في إنجلترا وألمانيا.
ثورات آمنت بالحرية ورفض المركزية السياسية ودعت إلى الاشتراكية واللاسلطوية و”أن ينظم المجتمع شؤونه ذاتيا دون تسلط من فرد أو جماعة على مقدرات وحياة الناس”. وبقدر ما كانت هذه الحركات المجتمعية تنظر الى الأناركية على انها مصطلح يرمز الى اللاسلطوية اي غياب السلطة المركزية بشكل كامل وإحلال السلطة الأفقية غير الهرمية مكانها، كانت السلطات السياسية الرأسمالية الغربية تنظر اليها على انها رمز للفوضى السياسية، ودرجت على استخدام مصطلح الأناركية للتعبير عن حالة اي بلد يقوم بثورات تنتهي بحرب أهلية وتفكيك السلطة المركزية إلى سلطات متصارعة وغياب السلطة المركزية القادرة على الحفاظ على الدولة ككيان مستقل ومتوحد.
ولعل ربط الأناركية بالربيع العربي جاء من شعارات هذه الثورات. فقد قامت الأناركية اساسا للدفاع عن الحق الطبيعي للإنسان في الحرية. وفي الوقت ذاته ادت الثورات في ليبيا واليمن ربما وسوريا والعراق الى ربط ما يحدث اليوم ايضا بمصطلح الأناركية ولكن حسب التعريف الغربي السلطوي له. والأناركية كنظرية اجتماعية تحظى بالكثير من الدعم والترويج لها من قبل كبار الكتاب والمثقفين من مثل الكاتب والسياسي المخضرم نعوم شاموسكي والأنثروبولوجي ديفيد جريبر الذي يرى ان الأناركية هي مرادف للبرلوتاريا والاشتراكية في مقابل الليبرالية. حيث تقوم الأناركية بمحاربة النظام الرأسمالي ومناهضة العولمة في شكلها الرأسمالي الجديد المناهض لحريات الشعوب، وليست ضدا على حركة العولمة في ذاتها.
لقد تحولت الأناركية الى حركة عالمية شعبية مناهضة للرأسمالية وأدواتها في السيطرة على العالم، فدول مثل الدول الغربية التي ناضلت شعوبها من اجل الحرية والمشاركة الحقيقية في القرار السياسي ترى كيف ان النظام الرأسمالي الجديد يحاول عن طريق مجموعة من المنظمات كـ “البنك الدولي - ومنظمة التجارة العالمية – ومجلس الأمن” الهيمنة على قراره ومصيره. ولعل ما نسمع عنه اليوم من مطالبة العديد من الدول الانفصال وتشكيل كيانها السياسي المستقل يأتي كانعكاس لإيمان عميق بحركة الأناركية اي حق الشعوب في رفض مركزية القرار.
ورغم الصراع القائم اليوم بين دعاة الأناركية وضد النظام الرأسمالي، صراع قد اتخذ الكثير من الاشكال السلمية لعل اشهرها الشبكة الأممية “peoples Global Action” التي اشتهرت نتيجة دعوتها للاحتجاج ضد اجتماعات منظمة التجارة العالمية، إلا ان هذا الصراع لا يشكل خطرا مباشرا وداهما على بنية النظام الرأسمالي، إذ ان ايمان الحركة بالتوسع وعدم اللجوء للعنف للاستيلاء على السلطة السياسية في إحلال الأناركية كبديل سياسي واجتماعي واقتصادي للرأسمالية يعطي مساحة كبيرة لتحرك الرأسمالية وتوغلها وفرض ادواتها وتطبيق مفاهيمها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .