العدد 1369
السبت 14 يوليو 2012
banner
ثقافة الخوف زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 14 يوليو 2012

يعيش العالم اليوم في ظل مخاوف متنوعة، وهذه المخاوف لم توجد فجأة أو أنها شيء فطري لا مفر منه وقدر مفروض على الجميع لا يمكن محاربته أو الهروب منه. الخوف هو ثقافة وإن لم تكن حديثة في زماننا، بل هي سلاح لطالما استخدم عبر التاريخ من سلطات متنوعة تبدأ بسلطة الأب لتنتهي بسلطة الدولة وجبروتها. يقال: إن “الخوف يحجب العقل ويكثف العواطف ويجعل من السهل على الساسة الديماغوجين تعبئة الرأي العام لصالح السياسات التي يسعون إلى تحقيقها”.
لطالما استخدمت السلطة ثقافة الخوف لتحقيق مراميها، سواء كانت مرام وسياسات إيجابية أم سلبية، إلا أن ثقافة الخوف لا تقتصر على السياسيين، بل أيضا يوظفها الكتاب والصحافيون الذين يؤمنون بأن ثقافة الخوف تساهم في تغيير الرأي العام لصالح أهدافهم الضيقة. ثقافة الخوف يشرع لها قانونا، وبالتالي أي انسان يمس ما يوضع في خانة المحرم يعاقب بشكل قانوني، مثل القانون الذي قدمه البرلمان الكويتي المنحل، وهو إعدام كل من يمس الذات الإلهية أو شخص الرسول الكريم وأهل بيته وصحابته، ونتساءل كيف يمكن أن تكون الديمقراطية هي المشرعة لثقافة الخوف، فالخوف والديمقراطية نقيضان لا يمكن أن يجتمعا. إن حالة الخوف تبنى في الثقافة، فالمجتمع عندما يتكلم عن المرأة يتكلم عنها باعتبارها أما أو أختا، ولكن لا يتكلم عنها باعتبارها مهندسة أو سياسية أو طبيبة، فهو يحصرها في الأدوار الاجتماعية التي يرتبها لها المجتمع والخروج عن هذه الأدوار هو خروج عن ثقافة الخوف وهذا محرم. فما لم تسمح السلطة المهيمنة داخل المجتمع بالكلام في هذا المحرم يصبح الكلام خاضع لقانون العقوبات سواء القانونية أو الاجتماعية.
وهذا ينصب أيضا في الكلام عن الوضع السياسي العام، حيث حق الكلام في الوضع السياسي محرم في ثقافة الخوف، فلا يجب التعبير عن الرأي السياسي إلا في الأطر التي تضعها الدولة.
وثقافة الخوف لا تقتصر على دول بعينها، بل إن أمريكا التي تدعي بأن ديمقراطيتها وقوانينها الداخلية أسمى من كل الاتفاقيات والبرتوكولات التي وضعتها الأمم المتحدة؛ ولذلك ترفض التوقيع عليها، فنراها أكثر من غيرها تعتمد على ثقافة الخوف لتمرير أغلب سياساتها. فعندما أرادت محاربة وتدمير العراق وأفغانستان لجأت لثقافة الخوف، فهي تعلم أن الناس لا تريد الحرب، ولكن تم تسخير الآله الإعلامية، وكل أجهزة الدولة لبث الخوف من هجوم خارجي وإرهاب دولي ضد مواطنيها، وتصوير دعاة السلام بأنهم يفتقرون للحس الوطني ويختبئون خلف نظرياتهم الداعية للسلام، بينما بلدهم تتعرض لخطر الأرهاب. لقد استطاعت الحكومة الأمريكية إدخال أمريكا في حروب عبثية بهذه السياسة التي مازالت تستخدمها للخروج من أزماتها الاقتصادية والمالية.
واليوم مازالت دول مثل أوروبا ورغم مرور أكثر من عشر سنوات على الهجمات الإرهابية في أمريكا وأوروبا يستخدمون ثقافة الخوف من المسلمين لضرب الحركات التحررية في العالم العربي وإجهاض أي تحرك نحو التغيير، فالتغير يجب أن يكون ما يفرضونه لا ما تريده شعوب المنطقة، واستطاعوا من خلال الإعلام وماكينته الضخمة أن يقنعوا الشعب العربي قبل شعوبهم بأن الإسلام هو الإرهاب والتخلف والنكوص عن دولة القانون والمؤسسات حتى أصبحت القوى اليسارية والليبرالية هي من تحارب الإسلام السياسي، وكأنها دون أن تشعر تحقق ما تريده القوى الكبرى من استمرار الوضع الراهن في الدول العربية على ما هو عليه. أصبح المواطن العربي لا يعيش فقط حالة الخوف من التحرك تجاه التغيير لمستقبل أفضل، بل أصبح أسير هذه الثقافة التي أصبحت جزءا من حياته اليومية حتى أصبح غير قادر على التميز بين أن يكون حرا أو عبدا. ويبقى أن ثورة تونس خلقت حالة من الصحوة المفاجأة لعل الإنسان العربي يعرف كيف يوظفها، فلم يعد أمامه إلا طريق واحد، وهو الذهاب للأمام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .