العدد 2393
الإثنين 04 مايو 2015
banner
الحياة ثقافة مأمون شحادة
مأمون شحادة
الإثنين 04 مايو 2015


لم يخطر على بال معيد الجامعة أن الطالب الحاصل على تقدير “جيد” هو ذاته مؤلف الكتاب الذي اختير كـ “مساق” لاجتياز الفصل الدراسي، وأن هذا الطالب (47 عاماً) فضل دخول الجامعة في هذا السن بسبب أوضاعه الاقتصادية التي حالت دون اكمال تعليمه.
رغم مداخلات الطالب القيّمة والمنهجية اثناء المحاضرات الجامعية، الا ان المعيد احب ان تطغى فلسفته التحاضرية على تلك المداخلات المنبثقة من بين السطور والعبارات الموشحة بالفلسفة والفكر، والنهاية كانت مجحفة ومروسة بتقدير “جيد”، مع ان إجاباته الرائعة استوفت الشروط الفكرية المطلوبة.
المتتبع والباحث في بعض الشخصيات الفكرية العربية على مر السنين يجد ظروفاً معيشية صعبة حالت دون حصولهم على شهادات علمية، واقتصرت دراستهم على المرحلة الابتدائية، الا ان الطموح كان كبيراً ومطعماً بمساحات ثقافية رائعة.
كوكبة ثقافية وفكرية مبدعة ورائعة تستوجب منا الوقوف أمامها إجلالاً واحتراماً امثال، عباس محمود العقاد، والشاعر الياس فرحات وغيرهم من النوابغ والأدباء، الذين لم يستطيعوا اكمال مسيرتهم التعليمية جراء ظروفهم الاقتصادية المزرية، ورسموا بأقلامهم الماسية لوحات ادبية وشعرية حلقت في سماء العالم، ولم يقتصر طيرانها ضمن محددات المكان والزمان للمساحة العربية، وهذا يذكرني بالمثل الروسي “كما الريش يزين الطاووس كذلك الثقافة تزين الإنسان”.
قال البرت اينشتاين “الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة”، وقال احسان عبد القدوس “الثقافة تمثل نوعا من الإرادة.. إرادة التمرد”، كذلك قال علي عزت بيجوفيتش “الثقافة هي الخلق المستمر للذات، أما الحضارة فهي التغيير المستمر للعالم وهذا هو تضاد الانسانية والشيئية”.
عَوْدٌ عَلى بَدْء، ماذا لو ان “العقاد وفرحات” خاضا تجربة مشابهة لتجربة الطالب (اعلاه)، وحصلا على تقدير “جيد”؟
الاجابة على هذا السؤال لن تجد حيزاً فكرياً لتفكيك اقواس السؤال الا بعد الاجابة على استفسارات المثقف العربي المطروحة على طاولة المعرفة، هل ظاهرة تبادل الادوار بين الماضي والحاضر تتشابه وقول درويش في احدى قصائده “كل ما سيكون كان”؟ وهل خماسية “السجع والجناس والطباق والمقابلة والتّصريع” اصبحت في خبر كان؟ وهل سياسة التهميش، والاحتواء، والتنصيص، والتقمص، والتنصل باتت معروفة للجميع؟ وهل اصبح اصغر طفل من اطفال قصة البؤساء يبحث عن ذاته بين الصفحات؟
هذا يذكرنا بما قاله الكاتب محمد عدنان سالم “حين تعزف أمة عن القراءة تكسد فيها سوق الأفكار بموجب قانون العرض والطلب، وينحسر الإبداع، وتضمر الثقافة”، كذلك قال نصر حامد أبوزيد “إن الثقافة تعني تحول الكائن من مجرد الوجود الطبيعي إلى الوعي بهذا الوجود”.
خلاصة القول إن لم تكن هناك إرادة فكرية عمودية مرتكزة على أفقية ثقافية، حينها يصاب المجتمع بالفصام السياسي، والشقيقة الاقتصادية، والديماغوجية الاجتماعية، والانهيارات الثقافية والتثاقفية، وكما قال العقاد ناصحاً “اقرأ ما ينفعك وانتفع بما تقرأ، وما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال، ويشحذه الضرب والنزال والصدمات نوعان واحدة تفتح الرأس والأخرى تفتح العقل، الى ذلك قال شاعرنا فرحات “ولولا ارتفاع النفس لم ترتفع لنا.. صروح بها التاريخ من عجبه يشدو”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية