العدد 2481
الجمعة 31 يوليو 2015
banner
محاكمة الحيوانات خالص جلبي
خالص جلبي
الجمعة 31 يوليو 2015

في العصور الوسطى تمت محاكمة الحيوانات في طقوس من المرافعة والقضاء والشهود والأدلة، لخنازير وبغال وحمير وجرذان وحشرات؟ فهل كان هذا مؤشرا لاحترام البشر والروح المودعة فيهم؟ أم هي فلسفة العصر؟
في 14 جون من عام 1494م دخل خنزير شارد إلى بيت جيهان لينفانت (JehanLenfant) وفيه طفل رضيع؛ فنهش وجه الغلام وعنقه؛ فتم إلقاء القبض على المجرم وسيق إلى القضاء، وهناك تم إيداع الخنزير المعتدي في دير، ثم نطق القاضي الحكم على الشكل التالي: “نحن وبامتعاض وهلع شديدين أمام ما حدث باغين العدالة نحكم بشنق الخنزير خنقا حتى الموت”.
هذه المحاكمة خلدها الرسام ادوارد ايفانس (Edward Evans) في لوحة ناقلا تقرير المحكمة التي كانت تحضر الشهود للإدلاء بشهاداتهم، بما يتطلبه القانون من الحق والعدل، ونشرتها مجلة در شبيجل الألمانية (العدد 9 من عام 2015 صفحة 122).
قد يبدو لنا الأمر مضحكا شيئا ما هذه الأيام ولكنها فلسفة العصر؟ هذا ما قاله الفيلسوف (جوستين سميث) من جامعة ديديروت ـ باريس (Univrsite – Paris - Diderot) ان هذا ما كان يتم في أوروبا لقرون، بين القرن التاسع والسابع عشر، تم هذا في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا؛ فكانت الحيوانات تقدم للمحاكم بمراسم عادلة.
والسؤال من الحادثة أعلاه، هل كانت المحاكمات تقتصر على الخنازير فقط؟ أو أصناف محددة من البهائم؟ والجواب لا؛ فقد تمت محاكمة الخيل والبغال والحمير والقمل والضفادع والكلاب والعجول بل الجراد. وكانت التهم تتراوح بين القتل واللعن (التجديف) وإفساد المحاصيل.
كان المدافعون يعينون، ويطلب الشهود للحضور والإدلاء، بل أحيانا كان يجري الاستنطاق لنفس بهيمة الأنعام؟ كيف؟
وإذا ثبتت الجريمة تم تطبيق الحكم وكان في الغالب حكم الإعدام، فكانت الحيوانات يقطع رأسها، أو تشنق، أو تحرق، أو تدفن على قيد الحياة، كما حصل في قصة بغل حرون؟
من هذه القصص يروى أنه في عام 1474م تمت محاكمة ديك في (بازل) في سويسرا بتهمة بشعة ضد الطبيعة حينما باض بيضة والديكة لا يفعلون؟ تم تنفيذ الحكم فيه أن يحرق حيا مشويا (هل أكله أحد لاحقا؟)
وفي عام 1750م قدمت أنثى الحمار (أتان) إلى المحكمة بتهمة الفاحشة من رجل قام بها، وأدانت المحكمة الأتان والرجل بتهمة عمل سدوم وعمورية (قوم لوط)، أما الحمارة فأطلق سراحها بشهادة قس زكاها لدى المحكمة، إنه يعرفها منذ أربع سنين، ويشهد لها بالعفاف وطهارة الذيل، وأنها لم تمارس الفاحشة قط، أما الزاني فكان نصيبه الموت.
كذلك اشتهرت محاكمة الجرذان في أوتون (Autun) عندما طلب رهط من الجرذان المفسدين في الأرض للمثول أمام القضاء بأنهم أفسدوا الزرع والضرع، وطالبهم القضاء بالحضور عام 1522م، فقام محامي الدفاع بالاعتذار عن حضورهم لبعد المسافة وخطر الطريق من الأعداء القطط؟
أيضا تمت محاكمة الجراد للإفساد في الأرض وإتلاف المحاصيل، فحكم بالإعدام على بعضهم دفعا للآخرين إلى الفرار والنجاة.
وفي عام 1587م تمت مطالبة القاضي ضد الديدان ان لا يسرع في حكمه، ذلك أن النباتات والفواكه ليست فقط للإنسان، بل لدواب الأرض أيضا، كي تبقى على قيد الحياة. وقام مدافع آخر يزعم فيها قصر حياة موكله وقصور أهليته فلابد من الرحمة به.
في عام 1597 وفي مدينة (شيلدا) تمت إدانة بغل وسلطعون، وحكم عليهما بالإعدام، فأما السرطان فأغرق حيا في الماء وأما البغل المسكين فدفن على قيد الحياة وهو ينهق ارحموني.
في الواقع هناك في الهند فلسفة كاملة لعدم الإضرار بالبهائم، وفسح الطريق للبقر، وتقديم الحليب للجرذان والفئران، وترك السعادين يمرحون ويعبثون بدون مضايقة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية