العدد 2201
الجمعة 24 أكتوبر 2014
banner
آينشتاين... قصة الفيزياء الجديدة خالص جلبي
خالص جلبي
الجمعة 24 أكتوبر 2014

أهم ما يميز عبقرية آينشتاين حفاظه على روح الطفولة “الدهشة والفضول وحب الاستطلاع واللعب والتجربة” وأنه طرق أبواب “مسلمات” اعتبرها العلماء مفروغاً منها فوضعها تحت المساءلة، وهذا الذي يحرك التاريخ.
وفي يوم قتلت الكنيسة الناس على آرائهم في حركة الشمس والأرض، واعتبرت أنه معلوم من الدين بالضرورة، ولم يزد عن أوهام. كما هو الحال عندنا في أحد الأسرار الكبرى في تيبس مفاصل العقل الإسلامي، بقتل من يرونه منكرا للدين بالضرورة وهو ليس منكرا ولا ضرورة؟ وحسب “دين كيث سايمنتون” صاحب كتاب “العبقرية والقيادة والإبداع” فإن سن العبقرية هي بين العشرين والثلاثين؛ فـ “نيلز بور” قدم نموذجه عن الذرة وعمره 28 سنة، وطرح آينشتاين في سنة واحدة خمس أفكار ضخمة وعمره 25 سنة، ووصل “بول ديراك” إلى معادلة الإلكترون السلبي “البوزيترون” وعمره 24 سنة، وكانت حلقة “فيرنر هايزنبرغ” العلمية التي وصلت إلى مبدأ “اللايقين” في ميكانيكا الكم تعتبر أن من تخطى عمر الثلاثين هرم وشاخ ولم يعد ينفع؟
والمهم في هذه العبقريات دخول شخص من خارج الحقل، وهو ما فعله آينشتاين، وكان من قبل متمردا في عين أساتذته، جعلهم يرسلوا له “لفت نظر” لأنه طالب “غير نشيط”؟ ولم يحمل الرجل دكتوراه، أو شهادة جامعية، وحار به الأمر كيف يطعم عائلته، حتى أعلن عن نفسه في جريدة زيوريخ معلما خصوصيا؟
وقصة القدوم من خارج الحقل معروفة في علم النفس، حيث ترى المشاكل من زاوية مختلفة، ومن طوَّر جراحة المناظير لم يكن جراحا بل طبيبا نسائيا هو “سيم كورت Sim Kurt” من المرفأ الشمالي في مدينة كيل الألمانية، وحاربه الجراحون وتبنته أميركا فأشرقت شمسه من الغرب. لقد راسلت الرجل فرحب وكتبت عنه في جريدة الرياض السعودية، وأرسل لي الرجل شريط فيديو مع صور تمت مصادرتها، لكن ماذا نفعل مع نشافة الأدمغة وبلادة المراقبة، في عقول قست فكانت أشد من الحجارة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار؟ وفي هذه السلسلة الذهبية نرى “باستور” الذي لم يكن طبيبا، ولكنه خدم الطب أكثر من ألف طبيب؛ فحاربوه حسدا من عند أنفسهم، فهذه سخرية التاريخ.
وهكذا فالحاجة كانت ملحة لمجيء آينشتاين حتى يقفز فوق حواجز “عمى الاختصاص” التي تشفط صاحبها بأشد من ثقب أسود. ولعل جلوسه في مكتب الاختراعات في “بيرن Bern” في سويسرا فتح عينيه على الإبداعات التي مرت من تحت يديه، فنظر نظرة من علو؛ ففهم علل الكون الكبرى، مثل معضلة الزمن، واليوم نعرف أن الزمن مفكك الأوصال في الكون يتدفق بسرعة مختلفة من مكان لآخر حسب السرعة والكتلة؛ فيتوقف الزمن مع “سرعة الضوء” و”ضخامة الكتلة”، وهو يقرب إلى أذهاننا مفهوم الخلود؛ فلا يفترسنا الموت أو تعضنا الشيخوخة.  وحين يصف القرآن الجنة “عرضها السموات والأرض” فهو ومن خلال “النسبية العامة” يقرب لنا مفهوم توقف الزمن في كتلة لا نهائية.
نحن نحاول بهذا الطرح اكتشاف العلم والإيمان أنهما وجهان لعملة واحدة، كما اكتشف آينشتاين الطاقة والمادة في معادلة واحدة، وحين يمكن تحويل العلم إلى إيمان وبالعكس فلسوف تتوقف حرب ضارية.  وجاءت الدلائل على صدق النسبية من عدة مصادر: زيادة الكتلة في مسرعات الجزيئات دون الذرية، وانحراف نور النجوم في كسوف الشمس عام 1919م وحضيض عطارد، ثم انفجار القنبلة النووية التي مسحت مدينتي هيروشيما وناغازاكي.  مع هذا فإن مفهوم الأثير الذي ألغاه آينشتاين يوماً عاد حياً الآن، ويعتبر العلماء اليوم أن ما بين النجوم ليس الأثير بل “الطاقة السوداء” ولا يستطيع أحد أن يقول مم تتكون؟  يقول “آينشتاين” عن الحقيقة “اكتشافها مرة واحدة غير كاف فهي تشبه تمثال الرخام المنتصب وسط الصحراء تعصف به ريح فيها صر، مهدد بالدفن كل لحظة بعواصف الرمل. وما يحافظ على التماعه تحت ضوء الشمس هي تلك الأيادي النشيطة الدءوبة التي تنفض عنه الغبار باستمرار”.
حيرت عبقرية آينشتاين الكثيرين، وعندما مات سلم جسمه وديعة للدكتور “توماس شتولتز هارفي” رئيس قسم التشريح المرضي في جامعة “برنستون” فقام بقص الجمجمة، واستخرج دماغ آينشتاين لمعرفة مكان العبقرية فلم يزد عن 1200 غراما، وقام بتقطيع الدماغ إلى 240 شريحة، وأرسلها إلى أهم مختبرات العالم في كندا وفنزويلا والصين، وكانت النتيجة أن دماغ آينشتاين لا يختلف عن دماغ أي أهبل في مصح أمراض عقلية.
كل ذلك لأن البحث كان كما يقال في علم الكمبيوتر في “الهارد وير Hard Ware” وليس البرامج “السوفت وير Soft Ware”.
وقال المتصوفة قديما: دفن الجسم بالثرى ليس بالجسم منتــفع... إنما النفع بالــذي كان بالجسم وارتفع... أصله معدن نفيس وإلى أصله قد رجع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .