الصناعة المصرفية موغلة في القدم وربما يعود تاريخها الى بداية ظهور التعاملات المالية بين البشر فكان من يحتاج الى اموال يقترضها من اشخاص آخرين مقابل ضمانات ويسددها لاحقا مع فوائدها التي اتفق عليها الطرفان بينهما وتطورت الحالة البنكية من عمل افراد تدريجيا الى عمل مؤسسات وظهر أول بنك بشكله الفعلي في ايطاليا في القرن السابع عشر وتطورت هذه الصناعة حتى اصبحت اليوم اكبر صناعة في العالم من حيث رأس المال والمداخيل وقيمة الأسهم في البورصات العالمية وصارت أرباح هذا القطاع تمثل شاخصا يدل على متانة اقتصاد اي بلد وعلى العكس خسائره تنعكس سلبا عليه.
وأولت مملكة البحرين اهتماما خاصا بالقطاع المصرفي لما يشكله من امكانية كبيرة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل الحركة الاقتصادية المحلية من خلال تمويل المشاريع المختلفة التي تدير عجلة الاقتصاد البحريني.
ونجحت هذه السياسة الفاعلة في اجتذاب العديد من المؤسسات المالية والمصارف العالمية لافتتاح فروع لها في البحرين بل ان بعضها جعل من البحرين مركزا اقليميا لإدارة عملياته على مستوى المنطقة كلها وقد اجتذب هذا القطاع المئات من الشباب المتعلم البحريني للعمل فيه برواتب ومزايا مجزية.
وبعد الأزمة العالمية في عام 2008 تأثرت مصارف البحرين سلبا شأنها شأن كل العالم دون استثناء مما ادى الى تقليص عملياتها في بعض المجالات وكذلك تقليص عدد العاملين وامتيازاتهم. ورغم الدور الإيجابي للقطاع المصرفي في البحرين الا انه لم يتجه بالشكل الفاعل نحو تمويل المشاريع الاقتصادية الانتاجية التي تحتاجها البحرين لتوفير فرص العمل من جهة وتقليل الاعتماد على مداخيل النفط من جهة ثانية بل اتجهت المصارف الى الطريق الأسهل وهو القروض الاستهلاكية من سيارات وقروض شخصية وعقارات وأصبحت المصارف تروج لهذه القروض بمختلف الاشكال مشجعة على الاقتراض بسبب أو بدون سبب وأغلب هذه القروض تذهب الى اشياء ليست من صلب ضرورات الحياة مثل شراء سيارة فاخرة أو السفر الى أوروبا وبالتالي يدخل المواطن تحت طائلة اقساط تؤثر على مستواه المعيشي وتضعه وأسرته تحت ضغوط مالية كبيرة.
لا ينكر احد ان المصارف مؤسسات ربحية ومن حقها ان تمارس اي نشاط يؤمن لها هذه الارباح ولكن في نفس الوقت فإن هناك مسؤولية اجتماعية على عاتقها في ان تمول الاقطاعات الانتاجية المختلفة من جهة وألا تتمادى في خلق حالة من الإدمان على القروض غير الضرورية من جهة أخرى لأن ادمان القروض لشراء اشياء غير ضرورية هي حالة نفسية مدمرة تؤثر سلبا على حياة الفرد والمجتمع ككل لأنه يفتح امام الفرد نافذة وهمية تنقله من واقع مادي الى آخر وهمي يفوق قدراته بكثير وسرعان ما تنطبق هذه النافذة على رأسه فلا يجد مهربا منها لا الى الامام ولا الى الخلف.
نتمنى أن نرى قطاعا مصرفيا بناء يسهم بشكل فاعل في تنمية وتطوير مملكة البحرين العزيزة.