العدد 2331
الثلاثاء 03 مارس 2015
banner
الصندوق الأسود د. بثينة خليفة قاسم
د. بثينة خليفة قاسم
زبدة القول
الثلاثاء 03 مارس 2015


“الصندوق الأسود” هو عنوان لكتاب جديد للكاتب الناصري المعروف مصطفى بكري رئيس تحرير جريدة الأسبوع المصرية.
والصندوق الأسود هنا يشار به إلى اللواء الراحل عمر سليمان رئيس جهاز الاستخبارات المصرية الأسبق،كون هذا الرجل يحمل أسرارا حول كل ما جرى في مصر وما جرى لمصر على مدى عقدين من الزمن،وحيث يقدم لنا مصطفى بكري بأسلوب ممتع شهادات كثيرة لهذا الرجل على الأوضاع الداخلية المصرية وعلاقة ذلك بجماعة الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص.
عمر سليمان كما يقول عنه ناشر الكتاب عاش فترات تاريخية مهمة وكان شاهدا على أحداث لا تزال حتى الآن غامضة، وكانت له مواقفه التي لم يكشف عنها النقاب بعد، سواء على الصعيد الداخلي أو الاقليمي أو الدولي.
وفي هذا الكتاب ينقل لنا مصطفى بكري على لسان عمر سليمان وغيره من الشخصيات المهمة أسرار مرحلة غاية في الأهمية في تاريخ مصر، وهي مرحلة ما قبل سقوط نظام حسني مبارك وما بعدها وحتى لحظة الرحيل الغامض لهذا الرجل.
ما ورد في هذا الكتاب من أحداث وشهادات يؤكد من جديد أن الثورات العربية لم تأت هكذا صدفة أو بتحرك شعبي تلقائي، ولكن كانت وراءها خطط ومؤامرات وتمويل وتدريب من قبل دول كبرى ودول إقليمية وجماعات داخلية ارتضت لنفسها أن تعمل كطابور خامس في بلادها وقدمت للولايات المتحدة وعودا ووقعت لها على بياض فيما يتعلق بقضايا تخص الأمن القومي للبلاد لكي تضمن تأييد ودعم الدولة الأكبر في العالم لوصولها إلى السلطة.
الكتاب يبين ان الحكاية بالنسبة لمصر وما جرى فيها لم تبدأ في 2011 ولا 2010 ولا حتى 2009 ولكنها بدأت في عام 2004، عندما قررت الولايات المتحدة أن تتخلص من نظام حسني مبارك وأعدت عدتها لاتخاذ الإخوان المسلمين بديلا له في حكم أكبر دولة عربية.
وبعد تقديم الإخوان الوعود الكافية حول عدم المساس بالاستراتيجية الأميركية في المنطقة، خصوصا معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وقيام الولايات المتحدة بالتحقق من صدق هذه الوعود بطريقتها الخاصة، بدأت الخطط توضع للإطاحة بحسني مبارك كخطوة مهمة على طريق التغيير الواسع والشامل الذي أراد الأميركيون القيام به في الشرق الأوسط.
الأميركيون يريدون الشرق الأوسط الجديد والإخوان يريدون السلطة ومستعدون لتقديم ما رفض حسني مبارك تقديمه، خصوصا تقديم جزء من أرض مصر للغزاويين الذين سيتركون غزة لإسرائيل، وبالتالي عقدت لقاءات في عواصم كثيرة وقدم الكثير من التمويل والتدريب وأقيمت أكاديمية سميت أكاديمية التغيير على أرض عربية للمساعدة في إنجاز المهمة.
وباسم الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من الشعارات البراقة لعبت أميركا لعبتها في مصر باستخدام الإخوان المتعطشين للسلطة، خصوصا أن نظام حسني مبارك كان قد عشعش فيه الفساد وأصبح بلا أي رصيد شعبي، وجاء اليوم الذي خرج فيه المصريون الباحثون عن الحرية ولقمة العيش والكرامة الانسانية ليطيحوا بنظام مبارك، غير مدركين في تلك الأثناء أن الاخوان المسلمين ينتظرون هذه اللحظة لكي يركبوا الثورة ويوجهونها حيث يشاءون وبانتهازية لم يسبق لها مثيل، والكل يعرف أن الإخوان لم يبدأوا الثورة ولكنهم أتوا بعد أن تأكدوا من نجاحها.
إنني أحيل هذا الكتاب الذي نشرته دار اليوم السابع في القاهرة لكل الشعوب العربية التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي والتي لم تشهده، ففيه من الأسرار والأحداث ما يبين أن الشعوب العربية استغفلت من قبل أصحاب الشرق الأوسط الكبير واستدرجت بخبث لكي تدمر دولها من الداخل.
ومن أهم ما نستفيده من هذا الكتاب أن مصطفى بكري الكاتب الوطني الذي يعشق تراب مصر – رغم كونه أكثر المنتقدين لنظام مبارك وحاشيته - ينصف عمر سليمان من بين هؤلاء ويقدم الأدلة الكثيرة على أن عمر سليمان كان رجلا وطنيا يحب بلده ويقدم النصيحة من أجلها وليس من أجل أحد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .