العدد 2818
السبت 02 يوليو 2016
banner
من كان منكم بريئاً محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
السبت 02 يوليو 2016

أمر ضروري غير قابل لأي إبطاء أو تسويف إجراء دراسات عاجلة للدوافع التي تجعل الشباب العربيّ عرضة للتأثر بمنهج تنظيم داعش التكفيري. مناسبة حديثنا المأساة المروعة التي وقعت في المملكة العربية السعودية عندما استدرج توأمان والدتهما الى القبو حيث وجها لها عدة طعنات غادرة ادت الى مقتلها، ليتوجها بعد ذلك إلى والدهما ومباغتته بعدة طعنات عدة مرات وهو الرجل المسن البالغ من العمر 73 عاما ثم اللحاق بشقيقهما الاكبر البالغ من العمر 22 عاما وطعنه عدة طعنات مستخدمين في تنفيذ جريمتهما ساطورا وسكاكين. إلاّ أنه تم نقلهما الى المستشفى، وتمكنت الجهات الأمنية من إلقاء القبض على الجانيين.
 الجريمة تعد شنيعة بكل المقاييس وتستفز الضمائر ويندى لها الجبين ذلك أنّ الجانيين تجرّدا من كل معاني البر والانسانية. الجريمة تؤكد المدى الذي بلغته الجماعات التكفيرية من توحش لا مثيل له وبالأخص انّها وقعت بحق من أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعتهما كما في صريح الآية الكريمة “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا».
 الحقيقة أنّ أحدا لم يكن يتصور – حتى مجرد تصور – أن يقتل ابن أباه مهما كان الخلاف بينهما، لكنه من جهة أخرى يعكس ما يتلقاه هؤلاء الشباب خصوصا من ثقافة مشبعة بالجحود إلى حدّ ان هذه الثقافة باتت نهجا مترسخا وإلى حد التجرد من كل العواطف الإنسانية والأبوية. الأدهى أنّ الجانيين التوأمين تنكرا لفضل الوالدين عندما قررا اراقة دمهما في شهر الصيام من اجل معتقدات ترفضها كافة الاديان.
 الأسباب المفضية للجريمة كما أشيع انّ الوالدين كانا يصفان «الدولة الاسلامية» بالارهابية، والتوأمان ينتميان لهذه الدولة ويدينان بالولاء والبيعة لزعيم التنظيم «الخليفة»، وبالتالي فإنهما كانا يعتبران من يتطاول على «الدّولة» كافرا ويجب قتله.
 رغم أنّ الجريمة لم تكن الاولى من نوعها اذ سبقتها جرائم اخرى بيد أنّها الاشد بشاعة ذلك انّها هذه المرة ارتكبت في حق الوالدين. فقبل عامين قتل شابٌ ينتمي لفكر التكفير خاله الذي تولى رعايته. وقبلها ايضا اقدم شابان على قتل ابن عمهما لمجرد نصحه لهما بالتخلي عن فكر التكفير وفي أول ايام عيد الأضحى المبارك.
 على اثر هذه المأساة المروعة فإنني توقفت مليّا أمام مقولة أراها جديرة بالتمعن والتأمل العميق مفادها «لم يعد ما وقع فاجعة بل الفاجعة ما يليها من جرائم». إنّ الذّي يبعث على القلق لدى الجميع دون استثناء هو انّ التطرف ينتشر بصورة خرافية والانفلات من قيم الدين سائد بين فئات الشباب وبات من الملّح أمر اعادة النظر في اساليب مكافحته من حيث الكم والنوع لكونه يمثل احد التحديات التي تواجه بلداننا العربية والاسلامية.
 يبدو لنا أنّ المهمة الأكبر في التصدي لظاهرة التطرف تقع على كاهل كل مسؤول في كل المواقع. المأساة تقول لنا: هل قمنا بما هو مطلوب منّا؟ اعتقد أنّ الخلل اصاب كل مفاصل حياتنا، وإلاّ هل من يصغي الى توجيهات المربين والآباء؟ وبكلمة مختصرة إننا اذا لم نتعاضد جميعنا تجاه هذا الانفلات الجنونيّ فإننا ازاء كارثة لن يكون هناك أحد بمنأى عنها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية