العدد 2781
الخميس 26 مايو 2016
banner
جدلية الدينيّ والسياسيّ محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الخميس 26 مايو 2016

الجدلية بين الديني والسياسي تعد واحدة من أهم القضايا الاشكالية التي تواجه امتنا على وجه التحديد منذ سنوات بعيدة. وإذا كانت اوروبا قد حسمت حولها النزاع وطوت صفحتها الى الابد بيد أنّه لم يقيض ان يحسم أو يطوى الجدل حولها في بلداننا العربية والإسلامية حتى اللحظة. الفريقان المختلفان حولها كلاهما يتذرع بحجج لترجيح كفته ولدعم وجهة نظره. فبينما ينظر اليه احدهما بأنّ العلاقة يجب ان تكون فصلا كاملا بين الدينيّ والسياسي وأنّ السياسة يجب ان تقوم على اسس مدنية محضة لا وجود فيها للمقدس. وهؤلاء يبنون موقفهم باعتبار انّ الدين علاقة “روحية” بين الانسان والخالق. ومن هنا فلا يجب الخلط بين المقدس والمدنس كما يحلو للبعض اطلاق هذا الوصف.
 غير أنّ الطرف الآخر يرى انّ العلاقة بين الديني والسياسيّ عملٌ دينيّ لا يجب الأخذ فيه. أما منطلقهم في توجههم هذا فإنه نابع من انّ الدين الاسلاميّ دينٌ شامل لا يمكن عزل السياسة عنه.
 لابدّ من الإشارة الى مسألة غدت شائعة لدى الاغلبية الساحقة من كل فئات مجتمعنا اليوم ونعني انّ مجرد الحديث حول الدين والسياسة يقصد به انّ السياسة بلا قيم ولا أخلاق بمعنى انها مطية لكل اشكال الكذب وهذا ما اشار اليه العضو الشوري ضياء الموسوي بـ “المدنس” الذي رأى انّ مشروع القانون جاء في الوقت المناسب من اجل ان يصلح مسيرة حقيقية وأنه جزءٌ من ثورة فلسفية بنيوية للقانون البحرينيّ في قضية الجمعيات السياسية ويأتي في ظل قناعة لأجل الحفاظ على الدين والاسلام والشريعة من دون اي ديكور او مجاملات. ولكي تحفظ الدين فإنه يجب فصله عن السياسة.
 التكفير اصبح اليوم سمة لواقعنا المعاصر، ففي الاختلاف مع البعض من رجال الدين في أية مسألة، لم يعد مستغربا ان يلصق بالآخر ممن يدور معه الخلاف التكفير ويعطي ذاته الايمان. بل الذي يثير الدهشة انّ رجل الدين يحدد صكوك الغفران كما كان الأمر سائداً في أوروبا ابّان العصور الوسطى تماماً.
 المجتمع اوهم بأنّ من يفصل الدين عن السياسة هو بالتأكيد ضدَ الدين! في حين انّ الموضوعية تقتضي الفصل بين الديني والسياسيّ (المقدس والمدنس). بالطبع هذا لا يعني الاخذ بما ذهبت اليه العلمانية بأنه لا وجود لله سبحانه وتعالى. لسنا نختلف انّ السياسة براغماتيات ومصالح في حين انّ الدّين لا يوجد فيه لعب تحت الطاولات.
 لا يمكننا الحديث حول الديني والسياسيّ دون استحضار ما مرت به اوروبا من حالة مشابهة وكان هذا قبل قرون. ولم يكن التوصل الى آيديولوجيات وأفكار جديدة هناك أمرا سهلا بل تطلب خوض حروب دامية استمرت سنوات. تعتقد فئة من مفكرينا انّ الخلافات السياسية الجارية لدينا ومنذ قرون مرتبطة بظاهرة الاسلام السياسيّ بمعنى انّ الخلاف ليس مصدره الاسلام كدين ولكن الخلاف حول الدور الذي يلعبه الاسلام في المجال العام. وهذا الصراع اكتسب بعدا مذهبياً نظرا للتوتر المتزايد بين المذاهب الاسلامية في مناطق عدة من عالمنا الاسلاميّ.
 ما جرى من مناقشات ساخنة حول الفصل بين الدين والسياسة يذّكرنا بما اقدمت عليه حركة النهضة التونسية قبل ايام من قرار اتخذته الحركة بفصل الجانب الدعويّ عن السياسيّ. القرار جاء بعد مراجعة مرجعيات الحركة العقائدية والفكرية. وعدّ التونسيون القرار خطوة ايجابية بالنسبة لحركة اسلامية تنتمي لجماعة الاسلام السياسيّ. بالطبع لا يعني الفصل تجرد “النهضة” من هويتها الاسلامية لكن فقط بتخليها عن لعب دور المدافع عن الدين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .