العدد 2678
السبت 13 فبراير 2016
banner
الربيع صادر الأخلاق أيضاً محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
السبت 13 فبراير 2016

حالة تراجع مخيفة طرأت على المنظومة الأخلاقية العربية على مدى الأعوام التي أعقبت الربيع العربي. هناك من ألقى اللائمة في هذه الانتكاسة على هبات الربيع العربيّ بوصفه الفصل الذي لم يصادر الفصول الأخرى فحسب، بل صادر حتى اخلاق الناس وقيمهم وخلّف آثارا بالغة الضرر على النفسية العربية حتى غدت اكثر توحشا وأنانية مما كانت عليه، واستحال من فصل الاخضرار الى خريف عربيّ طويل الأمد.
المسألة لا تتطلب عناء كبيرا لاكتشاف حجم القهر والكآبة المنطبعة على النفسية العربية. إنّ نظرة عابرة للشارع توصلنا الى انّ التدهور بلغ حدا مخيفا لا قبل لنا به. ولا مفرّ حينها من التساؤل ما الذي اوصلنا الى هذه الحالة من التردي؟ وهذا الكم من الاحباط الذي يعلو الوجوه. ولسنا بحاجة الى عناء لاكتشاف الى اي مدى بلغ حجم القلق في النفسية العربية.
المحزن انّ التراجع لم يقف عند الاخلاق وحدها - رغم فداحتها - بل طال حتى الثقافة. صحيح أنّ كل فرد اليوم يمتلك جهازا الكترونيا واحدا على الأقلّ، الأمر الذّي جعل العالم كله في متناول يديه، الاّ أنّ الحقيقة مغايرة تماما لهذا التصور. فالاغلبية لا تحاول تنمية مستوياتها الثقافية بقدر ما تلهث خلف الثقافة الاخرى ونعني بها تلك الثقافة المسطحة الهجينة الهامشية، كإشاعة الفرقة وبث الفتن... الخ. وهذا بالتأكيد مؤشر بالغ الدلالة على الانحطاط الحقيقي. على سبيل المثال من يتفحص ما يتبادله الكثيرون عبر كل البرامج في العالم الافتراضي فإنه يقف دون عناء الى أنّ الاغلب في ذلك التسلية. ونسبة ضئيلة من تروج للثقافة المتعارف عليها بالثقافة التلفزيونية أي الثقافة غير الموثقة وغير العميقة اطلاقاً.
ولا يمكن اغفال ما ترتب على تداول الرسائل عبر الواتس اب بالتحديد بوصفه الأكثر جماهيرية من اشاعة البلبلة ومن ثمّ الاحقاد والعداوات. وهي ظاهرة تشمل الكبار والصغار على حد سواء. ناهيك عن ما اشاعه العالم الافتراضي من فرقة بين العائلة الواحدة رغم اجتماعهم جسديا. بيد انّ لكل فرد عالمه الخاص. اما الادهى من هذا هو ما تشكله من خطورة على النسيج الاجتماعيّ. ولعل المثال هو ما يدأب عليه البعض من اثارة الاحقاد والكراهيات بين الطوائف، وإشعال الفتن بين ابناء الوطن، كما تجسد واقعا في الاعمال الارهابية التي طالت بيوت الله التي كان يجب أن تظلّ بمنأى عن اية خلافات ونزاعات.
وإزاء كل هذا الغثاء الذي يجتاح فضاءاتنا الافتراضية ومن ثم الحقيقية كان لابدّ من تشريعات حازمة تتصدى للعابثين ايا كانت انتماءاتهم وقناعاتهم. طبعا لا يمكن ان نتفرج على مجتمعاتنا وهي تحترق. وإلاّ فإنه لا يجدي حينها البكاء على اللبن المسكوب. كما لا يمكن الرهان انّ من يمارسون هذا العبث سينضجون مع مرور الزمن.
ما يجري امام انظارنا اليوم من جرائم تقشعر لها الأبدان. اما الأخطر هو انها لم تعد تثير أحداً ويتم التعاطي معها بوصفها اخباراً اعتيادية. انها تعكس مدى الخلل في البناء الاخلاقيّ العام، والمدقق لا يمكن ان تخطئه مشاهد اللامبالاة والأنانية بأبشع صورها. وهو ما يتناقض مع ما كانت عليه الاحوال ابان عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. رغم انّ افراد الاسر يعيشون في غرفة واحدة الاّ انّ القلوب تواسي بعضها البعض في الشدائد ويتقاسمون الفرح في المناسبات السعيدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية