العدد 2510
السبت 29 أغسطس 2015
banner
لبنان يخرج من الرماد محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
السبت 29 أغسطس 2015

ما حدث في لبنان من غضب شعبيّ كان متوقعا، لقد صبر هذا الشعب طويلا، والحقيقة أن ليس لبنان وحده من يعاني ويختنق من الفساد فقد تحول هذا الوباء المستشري الى غير بقعة عربية وأصبح اشبه بكرة الثلج التي تتضاعف بشكل خرافيّ، المتأمل في ابعاد ظاهرة الفساد في عالمنا العربيّ تتملكه الحيرة فالفوارق بين الطبقات بين ابناء البلد الواحد اتسعت بشكل مخيف فلم تعد هناك طبقة وسطى حافظة لاستقرار المجتمع بل طبقة تقف في قمة الهرم تستأثر بكل الامتيازات والشريحة الدنيا التي لا تملك الاّ قوت يومها.
اعتاد المواطن العربيّ في كل مرة تنفجر فيها شرارة الغضب ان يطل المسؤولون على جمهور الغاضبين بكيل الوعود باجتثاث جذور الفساد وتقديم الفاسدين الى العدالة و...، بيد أنّ الخطة لم تعد تنطلي عليه وسئم من هذه الاسطوانة وأصبحت اللعبة امامه مكشوفة. الحقيقة التي باتت واضحة كالشمس في رابعة النهار انّ أزمة النفايات في لبنان ليست وحدها العامل الذي فجرّ غضب هذا الشعب والاحتجاجات الشعبية ليست سوى محصلة لتراكمات القهر والمرارة عبر عقود من الزمن.
الذّي تأكد للمراقبين وغيرهم، وهو غير قابل للشك، أنه لا يوجد بديل غير الاعتصامات والانتفاضات لوضع حد لغول الفساد. وبقي الفاسدون المتسلطون على رقاب الشعبين اللبنانيّ والعراقيّ أمدا غير قصير يسيرون دفة الحكم متسلطين خلال سنوات كحكام مطلقي اليد في شؤون بلدانهم ومصائر شعوبهم، وأصدق وصف يمكن إطلاقه أنها سنوات قهر واضطهاد وغبن لا نظير له.
وإذا كانت ازمة لبنان تتمثل في الفساد وتسلط زعماء الأحزاب على مقدراته وأزمة العراق تكمن في استئثار قادة الأحزاب بأمواله وثرواته فإنّ حال بقية الشعوب العربية لا يختلف كثيرا، فالحريات العامة في كل الأقطار العربية عند درجة الصفر. المواطن العربي من الماء إلى الماء يرى بأم عينيه كيف تنهب وتبدد ثرواته وهو لا يستطيع أن ينبس بكلمة. فمن منا لا يتذكر عهد الطغاة ممن تسلطوا على مقدرات شعوبهم كالمقبور صدام حسين والقذافي ومبارك وما اتسم به حكمهم من قبضة حديدية وفردية مطلقة.
إنّ المفارقة التي تستعصي على الفهم أنّه رغم ما تتمتع به الأرض العربية من ثروات هائلة غير اننا نجد انّ الشعوب العربية تعيش في مستوى متدن من المعيشة، المصيبة الأكبر انّ تجد مواطنين في بلدان عربية نفطية كالعراق وليبيا من هم دون خط الفقر بل هناك من يعيش في بيوت الصفيح، وآخرون في بيوت أشبه بالجحور ونسبة منهم على النفايات.
وتبلغ المفارقة حدا لا يمكن تصوره في بلد كالعراق أن تجد أحياء بأكملها وفي عاصمته تعيش أوضاعا مزرية وبائسة. ومن قدّرت له زيارة بغداد فإنه يلمس البؤس أمامه في كل زاوية ومفرق. فهذه العاصمة التاريخية تطوقها أحياء شعبية غارقة في البؤس ومستوى من الحياة محزن، ولا يمكن لأحد أن يتصور أنّ البشر هناك يعيشون في دولة نفطية.
المدهش في التظاهرات الشعبية في لبنان والعراق أنّها تجاوزت انتماءاتها الحزبية فالجميع كفر بالشعارات مما يطلقه هذا الحزب أو ذاك، لكنّ الزعامات الحزبية الفاسدة لا تريد الاعتراف بالحقيقة ونعتقد أنه آن الأوان لينسحبوا وكفى ما خلفوه من فقر وفساد، حيث لا تزال غارقة في الأوهام أن بامكانها البقاء اطول مدة زمنية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية