العدد 2452
الخميس 02 يوليو 2015
banner
أشم رائحة تراجع محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الخميس 02 يوليو 2015

بعد وقوع الحادث الإرهابيّ بجامع الإمام الصادق بدقائق معدودات كان سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح متواجداً في الموقع. ورغم التحذير من أن تواجده قد يشكل خطرا على حياته إلاّ أنّ الأمير الإنسان أجابهم “هاذولة عيالي”. العبارة السالفة على قصرها إلاّ أنّها كانت بالغة الدلالة. ورغم إيجازها الاّ انها تعد عميقة عبّر عنها مسؤول يستشعر حجم المسؤولية وعظم الأمانة منذ سنوات بعيدة حتى اليوم بل تعطي إشارة في كيفية تعامل الراعي مع رعيته.
لم يكن حضور الأمير حضورا اعتياديا فرضه البرتوكول بل كان منطلقا من احاسيس انسانية رفيعة وتعبيرا حضارياً راقيا. ولم يكن مستغربا على الإطلاق ان تتحول كلمة الأمير صباح الأحمد الى شعار للشعب الكويتي وأن تحظى بإعجاب كبير من داخل الكويت وخارجها في آن واحد اذ سرعان ما تحولت الى هاشتاغ على شبكات التواصل الاجتماعيّ (تويتر). ذلك انها بعفويتها وتلقائيتها تعد نموذجا لترسيخ الوحدة الوطنية والتكاتف بين القيادة من جهة والشعب من الجهة الثانية.
أهالي شهداء الحادث الإجراميّ عدوا قدوم الأمير بينهم الى موقع الحدث تخفيفا من حجم الألم واللوعة لكون الأمير والدا للجميع أولاً ولما يمثله من رمزية بين ابناء شعبه بالدرجة الثانية. جاء الأمير مواسيا لأبنائه وهو حزين القلب، وعلى عكس ما كان يخطط له الإرهابيون من تعكير اجواء الأخوة بين مكونات الشعب الكويتي وزرع بذور الفتنة والشقاق فإنّه لم يفت في عضدهم أو يوهنهم أو يزرع الشقاق بينهم بل زادهم تلاحما وإيمانا بوحدتهم الوطنية. وبعبارة أكثر وضوحا إنّ السحر انقلب على الساحر، إنّ الذي رأى وجه الكويت في ذلك اليوم شاحبا حزينا لابدّ انه شعر انّ الكارثة المروعة منحتها المزيد من التلاحم فاق كل التصوّر.
تجسدت الوحدة أبلغ ما يكون في العديد من الظواهر ابتداء من تلبية نداء بنك الدم حيث هرع الآلاف من الكويتيين من مختلف الاعمار يسابقون الزمن في انقاذ المصابين والجرحى في مشهد اخوي انسانيّ قلّ نظيره. كما تجلّت الوحدة والتكاتف عبر مئات التغريدات من قبيل “كلنا مستهدفون من عدو واحد.. لن تنطلي حيلة من يزرع الفتنة بين سنة وشيعة الكويت.. كلنا للكويت والكويت لنا... فعل ارهابيّ ضد الاسلام وضد الانسانية”. اما ابلغ صور الوحدة والتكاتف فإنها تمثلت في توافد كل ابناء الكويت لتقديم العزاء لأهالي الشهداء.
من كان متابعا لما جرى في أعقاب الحادث الدموي لا شكّ أنه انفعل بلحظات الصدق النادرة التي جسدها الشعب الكويتيّ باختلاف شرائحه. وكل الذين عرفوا الشعب الكويتي عن قرب فإنهم لمسوا فيهم الولاء لوطنهم والتسامي على الولاء للطائفة أو المذهب. الحادثة البشعة لا شك تذكر الكويتيين بالمحنة القاسية التي مرت بهم إبان الغزو الصدامي الآثم منذ نحو عشرين عاما فقد وقف ابناء الكويت جنبا الى جنب في وجه الاحتلال حتى التحرير.
ورغم ما خلفه هذا العمل الوحشي من آثار على اهل الكويت قاطبة فإنّ الدرس الاول أمامهم هو المحافظة على الوطن. بتجنب الانقسامات وعدم الركون لأصوات الفرقة والتشرذم التي يطلقها بين آونة وأخرى بعض المحسوبين على تيارات متشددة والتي تنم عن رؤية قاصرة وأهداف ضيقة، إن ثقتنا بالشعب الكويتي لا حد لها بتجاوز هذه المحنة لما يمتلك من عقول والكويت عصيّة على الإرهاب مهما حاول المتربصون اشعال الفتنة بين ابنائها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .