العدد 2358
الإثنين 30 مارس 2015
banner
أعطوهم أجورهم محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الإثنين 30 مارس 2015


رغم أنّ الإسلام أقرّ أنّ أساس التفاضل بين الناس هو التقوى فلا فضل لأحد على الآخر إلاّ بهذا المعيار إلا أنّ هناك من ينتقصهم حقوقهم ومعاملتهم. فالعامل بصرف النظر عن مستواه التعليمي يعد عضوا فعالاً لا يجب الاستهانة بدوره الاجتماعي والنشاط الذي يمارسه ونوع العمل الذي يؤديه. السؤال ما العلاقة التي تحكم العامل برب العمل؟ الثابت أن كلا منهما لا يمكن أن يؤدي رسالته دون الآخر، وأنّ كليهما له الفضل في رقيّ المجتمع وتحضره. ومن هنا ينبغي تقدير دور العامل واحترامه، ولسنا بحاجة الى التذكير بأنّ التعامل الراقي مع العمال يحفزهم على تفانيهم في العمل وإتقانهم ويتعزز السلوك الإيجابي في داخلهم.
إنّ عامل النظافة في اليابان يسمىّ “مهندسا صحيّاً” تقديراً لدوره المهم في المجتمع ويتقاضى راتبا عالياً يناهز ثمانية آلاف دولار أميركي في الشهر ويخضع لاختبارات شفوية وخطية. ويروي أحدهم حكاية ذات مغزى عميق الدلالة قائلاً: “تفاجأت في اختبار مادة العلاقات العامة على سؤال واحد فقط لكنه ذكيّ جدا وعليه درجة عالية ورغم أنّ السؤال كان بسيطا الاّ انه كان صعبا بالنسبة لنا نحن الطلاب وكان التالي: ما الاسم الاول لعامل النظافة في الجامعة عندنا؟ لم يكن السؤال صاعقا لي وحدي بل لجميع زملائي الطلبة. كنت على استعداد للاجابة على الاجابة لأصعب النظريات لكنّ سؤالا كهذا لم يخطر ببالي اطلاقا. وصرت انظر لورقة الاجابة البيضاء مستحضرا عامل النظافة الأسمر الذي يمر أمامي عشرات المرات يومياً دون ان اكلف نفسي الحديث معه أو سؤاله عن اسمه. فسلمت ورقة الاجابة خالية وتوجهت مسرعا ومبتسماً الى عامل النظافة الذي بادرني الابتسامة والحوار وسألته: ما اسمك؟ فأجابني.. ولكن كانت المعلومة متأخرة جداً! وكانت النتيجة النهائية انه لم يجب على السؤال سوى طالب واحد فقط!
إنّ الدكتور الكندي الذي كان يدّرسنا في الجامعة كشفنا امام انفسنا وأراد أن يعلمنا درسا مهماً وبارعاً كنا بأمس الحاجة اليه هو ألا نهتم فقط بالنظريات ففي سوق العمل الناس ورفع الحواجز والفروقات.
والمتأمل في الحكاية السالفة يجد أنها تنطوي على دروس عديدة أوّلها انّ الشخص الناجح هو من يكسر حاجز الخجل ويبادر الآخرين التحية. والدرس الآخر هو أنّه لابدّ من مخالطة الناس جميعا للتعلم منهم وتبادل الخبرات معهم. وقد تكون مفاتيح نجاحنا بيد أناس بسطاء لا نلقي لهم بالاً. وكثيرٌ منا يمر امام الآخرين دون أن يلقي التحية عليهم مع أننا من دين يقدم لنا الأجر في ابسط معانيه ويعزز شخصياتنا من سلوك يغرس فينا منذ الصغر.
يقول رسولنا الأكرم محمد بن عبدالله (ص) “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء؟ اذا تحاببتم افشوا السلام بينكم. فالسلام يعكس صورة ايجابية عنا. العمال الذين يخدموننا كل يوم يستحقون بلا شك كل التقدير والاحترام”.
ويبقى القول لابدّ أن نتعلم أنّ الآخرين ممن قد يكونون أدنى موقعا وظيفيا ينهضون بأدوار بالغة الأهمية والأهم ليس بالضرورة من يملك الأكثر أو موقعا أكبر بل هو من يحتاج الى الأقلّ. والتذكير بأنّ على أرباب العمل اعطاء العامل حقوقه كاملة غير منقوصة وقبل أن يجف عرقه مصداقاً لقول نبينا الاكرم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية