العدد 2261
الثلاثاء 23 ديسمبر 2014
banner
وداعاً.. عصر النفط محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الثلاثاء 23 ديسمبر 2014

الانهيار الذي تشهده أسعار النفط يحتل الفضائيات والصحف العربية والعالمية. وأصبحت قضية القضايا لكون النفط هو عصب الحياة الأول في بلدان العالم كافة. وتستمد الأزمة أهميتها من كونها الأشد تأثيراً لناحية تداعياتها السياسية والاقتصادية على العالم أجمع.
 غير أنّ مواطني الدول العربية اليوم يشعرون بالقلق البالغ وتبدد الأمل بعودة الأسعار إلى سابق عهدها مما يجعل من نهايتها صعبة التحقق في المدى المنظور. وخلال محاولة تتبع الآثار الناجمة عن تراجع الأسعار وجدت نفسي ببساطة أمام العديد من التفسيرات والتحليلات وكل منها يجزم أنّ ما يرويه هو الأصح في تفسير الظاهرة المخيفة.
 العامل الرئيس في انهيار الأسعار حسب البعض هو العرض والطلب، حيث يلعب ذلك دورا بارزا ومهما في انخفاض وارتفاع الأسعار، بينما المسألة بالنسبة للبعض الآخر سياسية محضة، فالولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها والمجتمع الدولي يريدون معاقبة روسيا لتخبطها في الأزمة الأوكرانية بمساعدة دول نفطية أخرى.
اللافت في الأمر أنّ بقاء الانخفاض هذه المرة هو بخلاف المرات السابقة، حيث كان سعر البترول ينخفض لكن سرعان ما يعود أدراجه إلى المستوى الطبيعي أو قريبا منه.
 أما الإشارة الأخرى هي أن مجموعة الأوبك لم تتدخل باستثناء تحركات وزير النفط الفنزويلي التي تهدف إلى إقناع الدول النفطية لخفض الكمية المنتجة؛ لكي تعود الأسعار إلى معدلها أي ما يساوي المئة دولار.
 وبناءً على ما تقدم فإنّ هناك آراء تذهب إلى أنّه لم يعد مستغربا أن تتفكك منظمة أوبك لتسارع الأحداث وهو نتيجة طبيعية لما تشهده الأقطار المصدرة من خسائر مالية فادحة. بل إنّ الذي يثير المخاوف هو أنه حتى لو توصل الأعضاء إلى قرار بتخفيض الإنتاج فإنّ تأثيره سيكون محدوداً على الأسعار. ولا يبدو أنّ الأمور تتجه إلى التحسن في جميع الدول الأعضاء في المنظمة.
 والمؤسف أنّ هذه الدول لم تستخلص العبرة من الأزمات السابقة. أما الذّي يضاعف من حدة الأزمة هو ما تتعرض له من فساد وهدر وهو ما ينعكس سلبا على الاستثمارات ومعدلات النمو والبطالة وغيرها وهو ما يدفع ثمنه المواطن. والأدهى أنّ ما خلفه تراجع الأسعار يتم في ظل عدم وجود اقتصاد منتج. وأنّ تركيز الاستثمارات على النفط وحده، إذ إنه يشكل النسبة الأكبر في الدخل العام.
 الذي يبدو في الأفق أنّ الدول العربية النفطية مقبلة على أزمات حادة خلال الأعوام المقبلة إذا بقيت أسعار النفط في الانخفاض، وهنا لا يملك المواطن العربيّ إلا القول وداعاً لدولة الرفاهية، وإنّ الأمل في تحسين الأوضاع الاجتماعية بات مطلبا بعيداً. وليس أمام المواطنين إزاء هذه المعضلة سوى تغيير النمط الاقتصادي المعتمد على الريع النفطيّ.
 الأزمة التي فجرها انخفاض الأسعار اليوم ستكون بحسب المراقبين عالمية. والسؤال الذي يواجه مواطني الدول النفطية المعتمدة بشكل شبه كليّ على النفط كمورد أساسيّ: هل دخلنا بالفعل في عصر ما بعد النفط؟ الخشية الأكبر أنّ آثار الأزمة قد تلقي بظلالها على الأنظمة السياسية. المواطن العربيّ يأخذ على الأنظمة أنه ليست هناك إستراتيجية واضحة للمستقبل.
 أما الخشية الأكبر هي أنّ الأزمة ستؤجل العديد من البرامج والمشاريع التنموية. بل إنّ المؤشرات تتجه إلى الاستعداد لمرحلة “شدّ الأحزمة”، وهذا ما أعلنته إحدى الدول النفطية بنيتها رفع الدعم عن بعض السلع وهو بكل تأكيد بداية التقشف والحذر من الإنفاق الحكوميّ والاحتمال أن تطال حتى مسألة الأجور.
 السؤال الذّي بات كل مواطن يردده بين نفسه هو إلى أين نحنُ ذاهبون؟ وأي سياسة اقتصادية يمكن اعتمادها للخروج من هذه الأزمة فلا شيء يبدو واضحا ولا حتى مطمئناً. والمشكلة باختصار “إن الذّين لا يقرأون التاريخ جيداً ولا يستخلصون العبر منه فإنّ عليهم أن يعيشوا عذاب تكراره”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية