العدد 2234
الأربعاء 26 نوفمبر 2014
banner
عن ثقافة نفتقدها محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الأربعاء 26 نوفمبر 2014

كثيرة هي الثقافات التي نفتقدها كثقافة الاعتذار وثقافة الحوار بيد أنّ السؤال الذي يردده المرء بينه وبين نفسه لماذا تغيب عنّا - أو بالأدق عن الأغلبية منّا - ثقافة الامتنان أو الشكر؟ إنّ أبسط تعريف للامتنان هو الاعتراف بالخير والجميل في حياة المرء والاعتراف بأنّ مصدراً من مصادر الخير يكمن خارج ذاتنا. لقد أكدّ الباحثون في علم النفس الإنسانيّ ومن بينهم روبرت ايمونسن انّ الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان عادة ما يتمتعون بصحة افضل من غيرهم ولديهم طاقة أكبر وعلاقات اجتماعية أوسع وربما دخلهم أكبر وينامون بعمق ويستيقظون هانئي البال.
والامتنان بكل بساطة تعلّم لغة الشكر لمن أسدى الينا ذات يوم معروفا. الآية الكريمة حثت على تقديم الشكر كما في قوله تعالى “وإذ تأذّنّ ربّكم لئن شكرتم لأزيدنكم” (إبراهيم 7). لن يضيرنا لو منحنا من قدم لنا معروفا أن نقول له شكرا مكافأة له على صنيعه وبالأخص الذين في أمس الحاجة اليها كأصحاب المهن البسيطة من العمال والخدم وغيرهم. المفردة لا تتعدى أربعة أحرف لكن البعض أو الكثيرين يتعبون منها. ومما يروى عن الحبيب المصطفى (ص) قوله: “وهل تُنصرون وترزقون الاّ بضعفائكم”، لكن أين الذين يدركون المغزى العميق والدلالات من هذا الحديث الشريف. لو أننا رحمنا من حولنا من الضعفاء والمحتاجين لرزقنا الله ونصرنا. إنّ الامتتنان والشكر أولاً هو لله سبحانه وتعالى ومن لا يشكر الله لا يشكر الناس. أي أنّ الذين جبلوا على عدم شكر الناس على معروفهم وإحسانهم فإنهم لن يشكروا الله وهذا نابع من سوء خلق.
الكتاب الذائع الصيت “السر” تضمن فقرة بالغة الدّقة حول تطبيق الامتنان في حياتنا ومنها ما اشار اليه في هذا الصدد “في كل صباح أنهضُ وأقول الحمد لله في كل صباح عندما تلمس قدمي أرض الغرفة أقول الحمد لله ثم أبدأ في التفكير في الأشياء التي تستحق الحمد. ولا أكتفي فقط بالتفكير بشأنها بل اصوغ الحمد وألهج به وأستشعر في نفسي مشاعر الامتنان”. ويشير الكاتب الى نماذج من العظماء الذين غطت شهرتهم الآفاق وخلدوا أسماءهم عبر ما أنجزوه من ابداعات علمية كالعالم ألبرت آينشتاين الذي غير من طريقة نظرة الناس الى الزمان والمكان. ورغم أنّ خلفية هذا العالم الكبير كانت فقيرة وبداياته متواضعة الاّ أنه كان يقول الحمد لله مئات المرات في كل يوم. كما كان يقول إنني اقدم الشكر والامتنان لكل العظماء الذين سبقوني بإسهاماتهم والتي لولاها ما كان لي ان أتعلم أو أنجز المزيد من الأعمال أو أصير في النهاية واحدا من العظماء.
لماذا تبدو كلمة الشكر صعبة وثقيلة بالنسبة للكثيرين حتى يخيّل أنّ هؤلاء بحاجة الى دخول دورات شاقة لمنحها لمن يستحقونها. وغاب عن هؤلاء ما تحدثه من تغيير إيجابيّ في الحياة. إنّ كلمة الشكر رغم بساطتها الشديدة وربما لا تعني شيئا للكثيرين بيد أنّها بالغة الأثر لمن هم في حاجة اليها. إنها تبعث السعادة في نفوسهم وحافز للعطاء. والمثال هنا الأب الذي يشكر ابنه على ما أنجز من عمل فإنّ هذا الشكر يدفع الابن الى بذل المزيد من الجهد في مستقبل الايام.
الذي نتأمله هو تنمية ثقافة الشكر بين جميع فئات المجتمع وبالأخص الأطفال. والأسرة بوصفها الحاضن الأول فإنه تقع على عاتقها هذه المهمة. فلنحرص على قول كلمة شكراً وإن جاء الرد من البعض (لا شكر على واجب).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .