العدد 2199
الأربعاء 22 أكتوبر 2014
banner
العلامة الشيخ أحمد خلف آل عصفور... الاعتدال والوسطية محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الأربعاء 22 أكتوبر 2014

إنّ رحيل رمز بقامة سماحة العلامة الشيخ أحمد خلف آل عصفور يمثل خسارة فادحة على الصعيد الوطني للدور الذي نهض به على امتداد سني عمره وعلى الصعيد الانساني لما تميزت به شخصيته من أريحية وتسامح. وكان مجلسه يستقطب الزوار من كل الاتجاهات وتدور الأحاديث بين رواده من مثقفين ووجهاء وأعيان وطلبة العلوم الدينية. وكان رحمه الله في حديثه ثاقب النظر وعميق الرؤية. الراحل الكبير عرفه المنبر الحسيني خطيباً طوال ما يربو على نصف قرن وكانت الجماهير الغفيرة تترقب اطلالته بشوق كبير.
ويتذكر الكثيرون من معارفه والمقربين إليه أنه يمثل بين قلائل من رجال الدين ممن كرسوا حياتهم للعمل الإنسانيّ. بالأمس ودعه آلاف من محبيه في موكب مهيب تتقدمه فئات المجتمع من الوجهاء المثقفين وأساتذة الجامعات والكتّاب والإعلاميين إضافة الى تلامذته من رجال الدين. وفي هذه اللحظات الحزينة فإنّ المرء ليتساءل كيف استطاع هذا الرجل ان يقيم علاقاته الوطيدة مع كل هذه الشرائح؟ لابدّ أن ذلك من سحر شخصيته وتساميه على الانتماءات الصغيرة. إنّ شخصيته جذبت المسلم والمسيحي والليبرالي والعلماني. كان ايمانه بالإنسان بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو دينه وقضى عمره من أجل هذا الهدف النبيل.
كما كان الراحل الكبير رمزا للاعتدال في زمن التطرف والانفلات. لم يعرف عنه انتماؤه لهذا التيار أو ذاك وصوته صادحا بكلمة الحق رغم أنّ الثمن كان فادحاً. وكان استثنائياً لأنّه لم يكن في يوم ما أسيرا للتحزب او الأدلجة. كما كان انفتاحه على كل التجارب الإنسانية. لم يتخذ من الزي الدينيّ أداة للتكسب ولا وسيلة للابتزاز. ولم يستجد تعاطف الجماهير على حساب المبدأ الذي آمن به. ولهذا فإنه احتفظ بنقائه الدينيّ حتى آخر قطرة من حياته. وكان إيمانه بالسلام والتسامح ليس موضع مساومة وعبر كل خطبه وأطروحاته وأحاديثه وقراءاته كان داعيا الى الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والتعصّب.
لعلّ العلامة الفارقة في سيرة العالم الفاضل الشيخ أحمد آل عصفور رحمه الله هي أنّه لم يكن من أولئك الّذّين يبحثون عن لقب دينيّ. لأنه لم يكن باحثا عن شهرة أو طالباً لمجد زائل. ولقناعته بأنّ العمامة مسؤولية وأمانة كبيرة. ولذا فليس بمستغرب انه كان يخالط الناس بتودد وببساطته المعهودة دون ان يمارس سلطة من اي نوع. وإنها لمعادلة صعبة أن يكون الرجل متديناً وفي الوقت ذاته نابذاً للألقاب ومفارقة تستعصي على الفهم أن تكون رجل دين وفي الآن نفسه منفتحاً على جميع التيارات والمذاهب والأديان. والحقيقة أنّ الالقاب فقدت مضمونها الأساسيّ بعد أن تم اطلاقها على من لا يستحقونها وأضحت كالعبء الثقيل بعدما عجزوا عن النهوض بالأمانة والمسؤولية.
ورغم ما مرّ به الراحل الكبير من محن وآلام وحتى في أشدّ الأوقات حرجاً ورغم جراحاته التي لم تندمل فقد تحمّل آلامه بصمت فاق كل خيال. إنه الرجل الاستثنائيّ حامل هموم الإنسان البسيط والعالم المتواضع. عندما يذكر اسم الشيخ أحمد آل عصفور في أي موقع فإنّ جملة من السمات تنداح على الذاكرة اقترنت بشخصيته الفذّة. لذا فإنه من الصعب أن تختزل شخصيته برجل الدين وحدها رغم أهميتها الكبيرة.
رحم الله الشيخ أحمد آل عصفور وأسكنه فسيح جناته. ولا شك أنّ رحيل العلماء ودعاة السلم والتسامح والاعتدال خسارة لا تعوض. إنّ حزننا عليك أيها العالم الجليل سيطول.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية