العدد 1369
السبت 14 يوليو 2012
banner
نجحت دبي وفشل الآخرون محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
السبت 14 يوليو 2012

لا أتذكر بالتحديد عدد المرات التي زرتُ فيها مدينة دبيّ. ويبدو لي أنّ أهم سمات هذه الإمارة الساحرة أنّها لا تشعرك بالغربة مهما امتدت بك الإقامة على ضفافها. يأسرك أهلها بدماثتهم التي لا مثيل لها. اختلف كثيراً مع الذين وصفوها بأنّها مدينة بلا قلب؛ لأنها ببساطة تطمح لامتلاك الشمس ولها قلق المراكب وتهوى المغامرة وكل هذه السمات خلقت منها مدينة أسطورية. الكثيرون مسكونون بسحرها وفتنتها وكل هؤلاء ربما يختلفون حول سر نجاحها وتألقها، لكنهم لا يختلفون على جاذبيتها الأخاذة.
في كتابه الشيق (رؤيتي) يلخص الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فلسفته في إدارة هذه الدولة سارداً العديد من القصص ذات الدلالات العميقة من بينها القصة التالية. في كل صباح في إفريقيا يستيقظ غزال يدرك أنّه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من خطوات الأسد، وإلاّ كان الموت مصيره. وفي كل صباح في إفريقيا يستيقظ أسد يدرك أنّه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من أبطأ غزال وإلا سيموت جوعاً. ولا يختلف الأمر سواءً أكنت غزالاً أو أسداً عندما تبزغ الشمس عليك أن تعدو بأقصى سرعة. نعتقد أنّ هذه الفلسفة التي استلهمها الشيخ محمد هي التي بنت دبي الحديثة وتدل على بعد نظر في اتخاذ القرارات التي عبّرت عن مستقبل الإمارة بشكل خاص.
إنّ أحد الأسرار في نجاح دبيّ يعود إلى ما يتمتع به محمد بن راشد ذلك أنّ من يسبر أغوار شخصيته، فإنه بالتأكيد يقف على عشقه اللامحدود للإمارة. ومن اقترب من شخصيته، فإنّه يلمس حرصه الكبير على تطورها وجمالها وسهره على ديمومة النهضة فيها، وهي تنم على ما يتمتع به من عبقرية فطرية.
دبي تستقطب على مدار العام الآلاف من الزوار ومن بقاع العالم كافة وبالنسبة لسكان الخليج، فإنها تمثل قبلة سياحية من الدرجة الأولى، بل كل سائح تطأ قدماه ترابها، فإنه يجدُ فيها ضالته كالتاجر والأكاديمي والفنان وحتى شماميّ الهواء. أعتقد أنّ ما يجذبهم إلى هذه المدينة الساحرة النظام الدقيق الذي هو كالساعة السويسرية بمنتهى الدقة والانضباط. إضافة إلى ما تتمتع به من حيوية طوال ساعات النهار والليل. يدهشني في دبي تقيّد كل السواق بالنظام المروري رغم ندرة رجال المرور وتبحث عن السر فتاتي الإجابة من الجميع القانون الصارم الذي لا يفرّق بين كبير وصغير.
الملفت لمن يتردد على دبيّ أنّه في كل مرة تصافح نظره الجديد في كل الأماكن ويكاد يكون من المستحيل ألا تقع عينا السائح العابر أو رجل الأعمال غيرهم على إضافات على مبنى أو شارع ذات طرز معمارية حديثة، بيد أنّ ما يقلق عشاق دبيّ ويثير لديهم الهواجس هي الهوية الضائعة. إنّ مجتمع دبي عبارة عن فسيفساء هويات، إذ بالكاد تعثر بينها على الهوية العربيّة، لكن ما يجمع بين من يتواجد على أرضها هو الانسجام واحترامهم للقانون بشكل يكاد يكون حرفياّ.
إنّ اشد ما حرص عليه حكام هذه الإمارة الصغيرة من عائلة آل مكتوم هو إبعاد إمارتهم عن أي تجاذبات من أي نوع وبالذات الطائفية. وهو ما أكسبها الوحدة والتلاحم بين أطيافها كافة. إنّ لكل فرد في الإمارة الحرية في اعتناق ما يشاء بشرط عدم التعدي على الآخرين هذه السياسة بلاشك تنم عن حنكة سياسية وبعد نظر لم يفطن لها آخرون. واعتماد حكام الإمارة ما يسمى بسياسة الباب المفتوح التي أثمرت الهدوء والأمان في إرجاء الإمارة الصغيرة. ورغم مظاهر الثراء، فإنّ إنسان الإمارات عامة بقي محتفظا بأصالته وتميزه في كل المجالات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .