العدد 2230
السبت 22 نوفمبر 2014
banner
البحريـــــن... انتخابـات ومقاطعة د. باقر النجار
د. باقر النجار
عمود أكاديمي
السبت 22 نوفمبر 2014

يبلغ عمر التجربة البحرينية السياسية الجديدة اثنتى عشرة سنة، بدأت في عام 2002 واستمرت منذ ذلك الوقت بين شد وجذب بين قوى المعارضة والنظام. وقد غابت المعارضة عن البرلمان لحوالي سبع سنوات: أربع منها كانت في الدور التشريعي الأول مع بداية التجربة في عام 2002 تحت مبرر أن التعديلات الدستورية التي تمت كانت بأطر غير دستورية فكان مطلبها في ذلك الحين العودة لدستور عام 1973، ثم عادة وانسحبت لأكثر من ثلاث سنوات من الفصل التشريعي الثالث، منذ مارس عام 2011 حتى الآن،احتجاجا على الإجراءات التي تبنتها الدولة بعد فض الاعتصامات التي قادتها المعارضة في ذلك الوقت. وقد قررت المعارضة أن تقاطع الانتخابات البرلمانية التي ستجري هذا اليوم السبت الموافق 22 نوفمبر 2014 بمبرر أنها تجرى في أجواء لا تلبي مطلبها في الإصلاح السياسي وأن المبادئ الخمسة التي طرحها ولي العهد نائب القائد الأعلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة كانت دون سقوفها.
ومسألة المقاطعة للانتخابات الشرعية رغم أنها حق سياسي للقوى الفاعلة في العملية السياسية إلا أن الكثير ممن فعل المقاطعة بشكل عام لم يخرج بنتائج مهمة للقوى المقاطعة. بمعنى أن فعل المقاطعة يُخرجُ القوى السياسية المعارضة من مجال تأثيري مهم حتى وإن كان محدودا، كما أن دفع الضرر كما يقولون، كان يتطلب منها الدخول أكثر منه الخروج من العملية السياسية.
أعتقد أن قرار المقاطعة للانتخابات كان القرار الأسهل لعدة اسباب بعضها قد يكون متعلقا بالتنظيمات السياسية ذاتها ومحاولتها المحافظة على قدر من التماسك الداخلي بين تشكيلاتها المختلفة ولربما استمرارية الوصل مع بعض من حواضنها الاجتماعية وبعضها الآخر متعلق بمحاولاتها المحافظة على تحالفاتها السياسية مع القوى الأخرى المعارضة أو الأكثر تشدداً. وفي منطقتنا بشكل عام فإن العملية السياسية لا تتم في جلها في أطرها المؤسساتية وإنما تتظافر في صياغتها معطيات ومستويات أخرى بعضها يتم في داخل الأطر المؤسساتية وبعضها الآخر يتم من خلال مستويات غير رسمية داخل المجتمع بتداخلها، أي العملية السياسية، بالمستويات الاجتماعية والاقتصادية ولربما الثقافية المختلفة التي يُتيحها لها حضورها السياسي المؤسساتي. فالكثير من الإجراءات والقرارات والسياسات التي تهم المجتمع أو تلك التي تعني بعضا من قطاعاته قد لا تتم هي في جلها في داخل البرلمان الا انه تتم صياغتها والتأثير عليها في دوائر رسمية وهياكل إدارية ومن خلال شبكات اجتماعية متداخلة، وإن الخروج من العملية السياسية والاعتماد على التأثير الخارجي من خلال الشارع يفقد هذه القوى ليس فقط القدرة على التأثير وإنما يفقد شارعها الصغير أو الكبير مواقع مهمة في العملية السياسية بل قد يفقده قدرا من المنافع تتحقق من خلال الاندماج في العملية السياسية لا الخروج عنها.
هذا يعني أن الغياب المؤسساتي يقود حتما إلى قدر من الغياب المؤثر عن هذه المستويات الرسمية وغير الرسمية. بل إن قدرة بعض من المستويات غير الرسمية على التفاعل الرسمي معها وبفعل هذا الغياب يبدو مستحيلا بل غير ممكن. وكما يقول المفكر الكويتي محمد الرميحي: “إنك لا تستطيع أن تؤثر في نتائج اللعبة،وأنت خارج الملعب، مهما كان صوتك عاليا، وحتى تكون مؤثرا عليك أن تكون داخل الملعب” (الشرق الأوسط 17 نوفمبر 2014).
ثم إن تجربة المقاطعة السياسية لقوى المعارضة الأردنية على مدى السنوات الماضية قد أضعف من حضورها السياسي وقدراتها التأثيرية في القرار الرسمي كما القطاعات الاجتماعية غير الرسمية. وبالمثل يمكن القول إن مقاطعة قوى المعارضة الكويتية للبرلمان الكويتي في السنوات القليلة الماضية قد أضعف من قدرتها الاستقطابية والتأثيرية على القرار الرسمي كما هو فيما يخص جماعات دوائرها الانتخابية. ومن الملاحظ أن قدرة النظام على تبني سياسات جديدة نحو المجتمع الممثل لهذه التنظيمات السياسية قد قاد هو الآخر إلى ضعف الالتفاف الذي تحضى به هذه القوى في دوائرها الانتخابية التي بدا يسودها قدر من التململ من غياب قوة مؤثرة وتحمل رؤية وبرنامجا إصلاحيا.
مجلس عام 2014 كما يبدو من المترشحين لانتخاباته، ستدخله وجوه في جلها جديدة، بعضها لم يخبر في حياته العمل السياسي أو الاهتمام به وبعضها الآخر كان مدفوعا بتلك المنافع الاجتماعية ولربما المالية التي يتيحها الجلوس على مقعده.
وما يجب أن نشير إليه ولربما نذكر به أننا ننتمي لمنطقة محافظة من الناحية السياسية والاجتماعية وهي في ذلك تتحرك بحذر شديد وبخطوات محسوبة في العملية السياسية أو في عملياتها السياسية الداخلية والخارجية. وهي في ذلك لا تريد أن تفقد قدراتها التأثيرية الداخلية أو قدرتها على ضبط المسار الداخلي، فأمامها تجارب حروب أهلية ودمار طال دولا ومجتمعات في الأقاليم المحيطة لا ترغب بأية صورة من الصور أن يمتد إليها.
ومع ذلك فإنه مهما كانت نتيجة الانتخابات القادمة وأي من القوى التي يمكن أن تصل إليه، فإن امامنا مجموعة من التحديات بعض يخص الحكومة ذاتها وبعضها الآخر يخص البرلمان والشخصيات الداخلة فيه. فنحن أمام تحديات اجتماعية لابد من التفكير الجدي بها في المرحلة القادمة سواء أكان ذلك بوجود المعارضة أم بخروجها، لتجاوز حالة الاستقطاب المذهبي من خلال تبني برامج تأهيلية تخص كل الجماعات والمستويات، دونها لا نستطيع تجاوز هذا المشكل الذي يأتي في تمثُلات ورموز بعضها بائن ومعلن وبعضها الآخر مستتر. كما أننا نواجه معضلة سياسية تتمثل ليس فقط في قدرتنا على تبني حلول غير تقليدية لمعضلاتنا السياسية وإنما في أن نعزز وندفع نحو تأسيس جديد وغير ظرفي للمواطنة، وطرقٌ جديد لعمليات الإدماج في العمليات السياسية، وهو عمل يتطلب مصفوفة من الإجراءات والمبادرات السياسية النوعية والتشريعات القانونية والفعل الثقافي الجديد. كما أننا أمام خيارات للبناء المؤسسي الجديد ننزع فيه نحو قدر من الإنجاز الإداري والوظيفي النوعي على صعيد الأجهزة والمؤسسات الخدمية المترهلة أو على صعيد المؤسسات والشركات المختلطة وفي القطاع الخاص الذي بات متأثرا في بعض من قطاعاته بكثير من قيم الأداء السائدة في القطاع الرسمي، نتجاوز من خلاله حالات الوهن والضعف في الاداء الوظيفي وفي اختيار قياداته الذي بات المعطى الذاتي سلاحها الوحيد في الصعود الإداري.
وختاما فإننا نقول إن الكثير من الحلول أو إمكانيات الحلول في الدول الصغيرة تتأثر بدرجة كبيرة بمحيطها الإقليمي الأكثر قربا وتأثيرا وهي في حلولها لا يمكن أن تخرج عن تلك الحلول التي يمكن ان يجيزها الإقليم او أن تتبنى تلك التي قد تسبب لها قدرا من الإرباك لأنماط فعلها السياسي في صناعة القرار أو تلك التي تبتعد كثيرا عن ثقافتها السياسية، وأخيرا فإننا نقول إن ما لا يُدرك كله لا يترك جُله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .