العدد 2146
السبت 30 أغسطس 2014
banner
الحاضنة الاجتماعية للجماعة السلفية (2) د. باقر النجار
د. باقر النجار
عمود أكاديمي
السبت 30 أغسطس 2014

في الحديث عن موقع الوطن عند الجماعة السلفية فإنه يمكن القول إن الحالة الطالبانية السابقة في أفغانستان قد مثلت بالنسبة للبعض من القوى السلفية في إطارها الجهادي أكثر من ملاذ آمن لها في مواجهة أنظمتها السياسية المباشرة أو القوى الدولية. ويمتد ذلك ليشمل بعض العرب من ذوي التوجهات السلفية المتماهية مع الفكر والآيديولوجية الطالبانية مما جعل من أفغانستان وطنا لهم. بل إننا وجدنا نزوعا عند بعض العرب والآسيويين من المهاجرين إلى أوروبا نحو الهجرة والاستقرار في أفغانستان إبان الحكم الطالباني نتيجة لهذا التماهي الفكري والآيديولوجي من ناحية ونتيجة لرغبتهم في أن ينشئون أبناءهم كما يقولون في “بيئة إسلامية محافظة” أي أن يجعلوا من أفغانستان وطنا لهم ولأبنائهم رغم افتقارها لأسباب العيش الرغيد.
من الناحية الأخرى نعتقد أن إعلان “دولة الخلافة الإسلامية”، في هذه الرقعة الجغرافية المُحددة لم يأت كنتيجة لسيطرة القوى السلفية على المناطق المتداخلة بين الجنوب السوري وشمال الوسط والغرب العراقي، أو أن تكون هذه الجغرافية حاضنة طبيعية وتاريخية للعراقيين السنة فحسب إنما لحقيقة أن هذه الجغرافية تمثل حالة التشابك بين الجماعات القبلية صاحبة الأرض والقوى والجماعات السلفية الوافدة إليها. وهي القبائل والعشائر التي أصبحت مع الوقت الحاضن الأساسي للقوى السلفية في العراق وسوريا في ثوبها “الجهادي”. وهي قوى وبفعل بنائها الفكري والآيديولوجي والقبلي يتدنى لديها مفهوم الوطن لصالح مفهوم القبيلة أي أن هناك قدرا من التماهي بين القيم القبلية والبناءات الثقافية للجماعات السلفية، وهي حالة تماثل ذلك التداخل والتماهي الحاصل بين القبائل الباكستانية والأفغانية من ناحية وبينها وبين الجماعات السلفية في ثوبها الطالباني من ناحية أخرى. كما أن هذا يفسر الاحتضان القوي للجماعات القبلية في شبه جزيرة سيناء للسلفية الجهادية، عنها أن تكون حاضنا لجماعة الإخوان المسلمين. بل إن جماعة الإخوان اعتمدت على الجماعة السلفية في “الترويض” من مواقف الجماعات القبلية في شبه جزيرة سيناء تجاه السلطة عندما كانوا في السلطة ابان حكم الرئيس السابق محمد مرسي. وينسحب مثل هذا القول على ليبيا واليمن والجزائر وعلى المحافظات الجنوبية في الأردن. وأن يكون مركز الثقل للجماعات السلفية الكويتية في أوساط الجماعات القبلية الكويتية في الدائري الرابع والخامس عنها في حواضرها في الدائري الأول والثاني. وهي حواضن تتداخل عوامل شتى اجتماعية واقتصادية وثقافية ولربما دينية في أن تكون حواضن اجتماعية للجماعات السلفية الجديدة عنها من أن تكون حواضن للجماعات الإسلاموية، بمعنى آخر، إن مفهوم الأمة يمثل الأُطر المُشكلة لفكر وممارسة الجماعة السلفية. والتي باتت تعتبر كل بلاد المسلمين فضاء مفتوحا لنشاطها الدعوي وعملياتها السياسية. بل إن تنظيماتها المختلفة باتت تنظيمات أممية ليس من حيث هذا التنوع الإثني للمنخرطين في عملياتها السياسية أو الجهادية وإنما على أساس أن كل بلاد المسلمين أوطاني. وهذا يفسر كبر حجم الانخراط الأممي في “حركاتها الجهادية”.
خلاصة القول إن الطبيعة الآيديولوجية المحافظة للجماعات السلفية ذات المنشأ الثقافي الصحراوي، التقت مع الطبيعة البدوية والقبلية كجماعة حاضنة في كل المناطق التي شهدت حضورا مكثفا لها. وهي سياقات اجتماعية وثقافية لم يتشكل في سياقها الثقافي وبشكل كاف وعي كامل بالوطن.. بل إن الحضور الكثيف للمقاتلين من الإثنيات غير العربية: الشيشانية والآسيوية والأفريقية والأوروبية يؤكد ليس فحسب أنها قوى عابرة للحدود والإثنيات إنما هي قوى بات الوعي بالأمة في سياقه العام يسبق لديها الوعي بالوطن في أطره الجغرافية المحددة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .