العدد 2761
الجمعة 06 مايو 2016
banner
بموازاة مجازر الأسد ماجد محمد
 ماجد محمد
الجمعة 06 مايو 2016

بعض ما يعانيه الكثير من الشرقيين أنهم يريدون لأنفسهم ما قد يمنعونه عن الغير، فقد ترى بعضهم يستقتلون من أجل الحرية، ولكنهم سرعان ما يمنعون حتى فضاء الغير من أن يستنشق هواء الحرية التي يتبجحون بها ويتمسكون بذيل قفطانها، كما قد تراهم يسعون لمحاكاة الديمقراطية وتردادها كلازمة شعاراتية لأغنية مملة جداً تكاد “تقرف” من الكلمة وقائلها وناقلها ومحاكيها أيضاً، وذلك لأنه سرعان ما يمنع عن الآخر كل ما كان يناضل لأجله، وهو إن دل على شيء فهو يدل على أن الكثير من الشرقيين ينبغي أن يتشربوا لشهورٍ عديدة المعنى الحقيقي لمفردتي الحرية والديمقراطية، وكيفية ممارسة الحرية والديمقراطية في حياتهم اليومية أولاً ومن بعدها يُسمح لهم بتلقف المصطلح واستخدامه في أحاديثهم وأدبياتهم.
فالمفروض بمن كان ضد الممارسات الإجرامية في بلده أو منطقته، ويناضل ضد المستبد في مكان ما، أن لا يكون مع التصرفات الموازية لمستبدٍ آخر يشتكي من جوره أناسٌ آخرون، وبالتالي يتم التغاضي عن الممارسات المماثلة في مكانٍ آخر مع أناس آخرين، ومَن كان يقارع سطوة طاغية من الطغاة في مكان أو زمانٍ ما، أن لا يبارك أفعال طاغية آخر في مكانٍ وزمانٍ مختلفين، طالما أن العدالة الانسانية لا تُفضل قاتلاً على قاتل ولا تفضل شهيداً على شهيد، هذا إذا ما كان المناضل مؤمناً كل الإيمان بقيم الحق والعدالة والانصاف.
فلا شك في أن الإجرام الذي يقوم به النظام السوري لا يحتاج الى براهين لإدانته لأن النظام البعثي نظام مجرم بكل المعايير، وفوق جرائمه بحق مواطنيه لما يزيد عن خمس سنوات، فقد بدأ النظام حملته الشرسة على حلب منذ ما يزيد عن 10 أيام، وقتل في هجماته الوحشية ما لا يقل عن 235 مدنياً، وجرح المئات منهم، فضلاً عن تسببه بمغادرة معظم سكان الأحياء المستهدفة منازلهم، خصوصاً سكان حي بستان القصر، بعدما أصبحت المنشآت الخدمية والحيوية خارج الخدمة، وكانت الجهات التي تدير شؤون الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام قد أعلنت إغلاق المدارس، كما تم تعليق الصلاة يوم الجمعة الماضي لأول مرة منذ عشرات السنين، وذلك تخوفاً من استهداف المساجد مِن قِبل طيران النظام وسقوط المزيد من الضحايا.
ولكن بالمقابل فهل نكاية بالأسد وإجرامه على الإعلاميين والنشطاء السوريين أن يتجاهلوا انتهاكات وجرائم بعض الفصائل المحسوبة على الثورة وتتغاضى عن قتلها المدنيين؟ ومنها مجزرة الأسبوع الماضي التي راح ضحيتها 19 شهيداً بينهم أطفال وإصابة أكثر من 120 آخرين، جراء سقوط قذائف أطلقتها فصائل إسلامية على أحياء بمدينة حلب حسب فرانس 24 وشبكات حقوق الانسان، ومواصلة لواء السلطان مراد استهداف حي ‏شيخ مقصود‬ بجرات الغاز حيث تم توثيق خمس اصابات بين المدنيين منذ يومين، فهل يا ترى مسموح لِمن كان محسوباً على المعارضة أن يقتل من يشاء من المدنيين طالما كانوا في مناطق سيطرة النظام رغماً عنهم؟ وهل ينبغي الرد على إجرام قوات الأسد بقتل المزيد من المدنيين المقيمين خارج مناطق نفوذ قوى المعارضة؟‬‬
وهل الرد على ما تقوم به قوات النظام البعثي في حلب يكون من خلال قصف القرى التابعة لمنطقة عفرين؟ حيث تتعرض قرى منطقة عفرين إجمالاً منذ عدة أيام وقريتا قطمة وقسطل جندو (ذات الأغلبية الأيزيدية) بوجهٍ خاص لحملة شرسة من بعض القوى المحسوبة على المعارضة، وهل نكاية وكرهاً بالنظام ينبغي عليهم صب جام حقدهم على المدنيين العزل  في تلك القرى، والذي أدى إلى سقوط جرحى وفق بيان جمعية التضامن للأيزيديين في ألمانيا التي أدانت تلك الاعمال الهمجية وناشدت جميع القوى الإقليمية والدولية للوقوف في وجه هذه الحملة العدوانية، لكي لا تتكرر جرائم شنكال بحق ما تبقى من الايزيديين في منطقة عفرين على يد الكتائب الاسلامية المتطرفة.
ويبدو أن الغل الديني لم يشفَ لدى بعض المتطرفين السوريين مما اقترفه فايكينغ العصر الدواعش في شنكال، لذا فلربما ثمة من يحاول الاقتداء بثقافتهم والسير على منوالهم، إذ إنه بذريعة عرض الجثث  بعفرين من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وفي عز قصف النظام البعثي حلب، وبدلاً من تخفيف الضغط على حلب من خلال فتح جبهات جديدة على قوات النظام في المدينة، الجماعة تركوا تلك المدينة تدمَّر وراحوا ينتقمون مما تبقى من الايزيديين في منطقة عفرين من خلال إمطار قراهم بالقذائف بدلاً من التوجه لمؤازرة حلب المنكوبة.
وبموازاة جرائم النظام البعثي السوري بحلب يقوم الجيش التركي بأفعالٍ مماثلة في نصيبين وشرناخ فهل ينبغي تجاهل ما يحدث هناك باعتبار أن الدولة المجاورة مؤيدة للثورة السورية من خلال تصريحات السياسيين ووسائل الاعلام؟ وإذا كانت الدولة التركية قد آوت مئات الآلاف من السوريين كلاجئين فهل يعني ذلك أن يبارك السوري ما يحدث هناك مقابل إيوائه؟ حيث يواصل الجيش التركي حسب الناشطين هجومه على مدينة نصيبين جنوب شرقي البلاد، وسط قصف بالدبابات والمدفعية الثقيلة على أحياء المدينة، وبحسب آرا نيوز وحملة (لا للصمت) التي تدعو الصحافيين الأجانب إلى زيارة قامشلو لتغطية الحرب في نصيبين بتركيا، أن الجيش التركي أقدم منذ مساء الجمعة الفائتة على حرق أكثر من 28 منزلاً لمدنيين في حيي زين العابدين وكانيكا في مدينة نصيبين، وهو ما استدعى البرلمان الأوروبي ليوجه انتقادا شديد اللهجة لتركيا بسبب تدهور حالة الديمقراطية وحقوق الانسان فيها وعملياتها العسكرية المستمرة ضد المدن الكردية...
وختاماً نقول، هل نكاية بالأسد على القوى المعارضة لطغيانه وجبروته أن تسمح للآخرين بفعل ما يوازي أو يماثل جرائمه؟ وهل هناك فرق بين قاتل المدنيين إن كان من جيش الأسد أم  من جيش الدولة التركية أم من كتائب المعارضة؟ وهل مسموح  لأحدهم أن يسترخص دماء الابرياء لمجرد أنهم معارضون للأسد ونظامه؟ وهل هنالك دمٌ أكثر أهمية من غيره، ومدنيٌ أبدى من مدنيٍّ آخر؟ ثم هل يا ترى مَن يُفضل قاتلاً على قاتل، مستبداً على مستبد آخر تليق به الحرية؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين هي قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي يتبجح بها الناس ليلا ونهارا منذ خمس سنوات؟. إيلاف.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية