العدد 2813
الإثنين 27 يونيو 2016
banner
الإثنين 27 يونيو 2016

    ليلة الخميس الماضي، كنت بين جمع كبير وحبيب من شباب وأهالي الشاخورة ومناطق عديدة من البحرين في ختام بطولة المرحوم حمد منصور بن رجب الرمضانية، والذي أقيم على ملعب نادي سار.
منذ العام 2009 أخذ مركز الشاخورة الثقافي والرياضي على عاتقه مشكورا إقامة هذا الملتقى الرياضي الرمضاني في كل سنة، حيث تجمع البطولة عددا مميزا من الفرق الرياضية التي تتنافس فيما بينها في بطولة شبابية حاشدة بنفحات الشهر الفضيل، والوطن الجميل، وروح التنافس الإيجابية والالتقاء بين الشباب البحريني في أجواء رحبة وجميلة وتنافسية حلوة..
ومنذ العام 2009 وأنا شخصيا أحرص على متابعة هذه البطولة الرمضانية والمشاركة فيها، وتشجيعها والاستمتاع بأجوائها ودلالاتها التي تشعرني دائما أن البحرين بخير، وأن أهلها وشبابها بخير، وأن السياسات ومشاكساتها والاختلافات ومشكلاتها والظروف الاقتصادية وتبعاتها قد تشعر الناس أحيانا باليأس والقنوط، بل والشعور بالغربة في الوطن وبين الأهل، ولكنها مشاعر عارضة غالباً، وسرعان ما تبددها البحرين ببهائها وطيبتها وحماسة أبنائها لكل ما هو جميل وطيب ومفيد وإيجابي..
ومنذ العام 2009، وأنا أعتبر هذه البطولة الرمضانية مناسبة خاصة للعزيز والحبيب وفلذة الكبد التي فقدتها مبكرا ولدي حمد بن رجب، ذلك أنني أرى في هذه البطولة حمد مجسدا، بعفويته وسماحته وطيبة قلبه وحماسته لكل ما يجمع شباب البحرين على الخير، ولكل ما يعبر عن عنفوان الشباب البحريني وتمسكه بالروح الإيجابية الوطنية، والنأي بها عن المفارقات السياسية والمناكفات الطائفية، وكل ما يعكر الروح الوطنية الطاهرة والمزاج الوطني الطيب.
كنت أقول دائماً أن كل الجراح إلى انقضاء، إلا جرح فقدان الولد، فإنه يزداد اتساعا مع الأيام! وكل الأحزان إلى انتهاء، إلا الحزن على فقدان الحبيب وفلذة الكبد وحشاشة القلب وماء العين وشمعة البيت والروح والوجدان، فإنه حزن مقيم مقيم، وهو وإن كان يغفو ساعات وأياما وربما شهورا، إلا أنه ما إن يصحو حتى يكون أقسى وأشد وأعمق في تلافيف الروح والقلب والجسد، وحزني على حمد، وطيبة حمد، وحماسة حمد، وعنفوان حمد، وتلقائية حمد، وأيام حمد، حزن من هذا النوع الذي لا ينقضي أبدا ولا ينتهي مطلقاً، وأكيد أن كل أحزان الآباء والأمهات الذين فقدوا فلذات أكبادهم كذلك!
وكما كان حمد دائما همزة الوصل في حياتي مع الآمال البحرينية العتيدة، وجسر التواصل مع شباب الوطن الواعد بالخير والصلاح والنماء، فإنه مازال حتى اليوم يقوم بعمله على أكمل وجه، ففي بطولته الرياضية وتحت وابل النفحات الرمضانية المباركة، يتحول الشهر الفضيل إلى جسر محبة وتنافس جميل بين شباب الوطن، وتتحول الليالي الرمضانية التي يديرها ويشرف عليها مركز الشاخورة مشكورا، إلى مناسبات وطنية؛ للتأكيد على أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا. وإننا وإن كنا قد نختلف في المواقف السياسية، إلا أننا نلتقي في الوطن على قاسم مشترك واحد، وهو حب البحرين. والإخلاص لها، والحرص على أن تبقى جميلة طيبة ناهضة بروحها وشبابها وآمالها المودعة في عقول وسواعد وقلوب أبنائها.
ومع أني أعتذر منكم على أنني أكتب في شأن شخصي بعض الشيء، إلا أنني كنت دائما أعتبر فرحي من فرح كل أب وأم بحرينية، وحزني من حزن كل أب وأم بحرينية، وفهمي وإدراكي لمعنى أن يرى الوالد ولده وقد شب عن الطوق، وصار يقف إلى جانبه قامة ووسامة وأمنيات غالية وتطلعات واعدة، هو فهم عام يشمل الجميع، وإدراك يمتد على كل مساحة البحرين الحبيبة، فكل أبناء البحرين هم اليوم بالنسبة لي تجسيد لحمد، تماما كما أن حمد، وهو في أوج صحته وعطائه كان بالنسبة لي تجسيدا لشباب البحرين وأبنائها.
إنها خواطر أب مكلوم بولده، ولكنه فخور في نفس الوقت بسواعد أبناء وطنه وحماستهم ووعيهم وإجماعهم على المشاركة في الميادين التي تجمعنا ولا تفرقنا، والمجالات التي تظهر نقاط قوتنا، وليس نقاط ضعفنا، والتعاون والمساهمة في الأعمال والمبادرات التي تعزز من عوامل وحدتنا الوطنية وأواصر أخوتنا في الوطن والراية والقيادة والدين والعقيدة والتاريخ والمصير والأرض والهواء والماء والنخلة البحرينية الطيبة.
لقد قرأت فيما قرأت عن الرسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام أنه قال: نصرت بالشباب.. ومع أنني جربت فقدان الولد الشاب بالموت حماكم الله وحمى أبناءكم وفلذات أكبادكم، إلا أنني أقول اليوم إن فقدان الأبناء لا يكون بالضرورة كفقداني ولدي حمد، فغياب وتغييب الكفاءات الوطنية الشابة هو نوع من فقدان الوطن لأبنائه وشبابه، وترك الشباب عرضة لصدمات الحاجة وضياع الفرص وتجاهل أفكارهم الحصيفة ومقدراتهم المميزة هو أيضا نوع من فقدان الوطن لأبنائه الشباب، وإجهاض أحلام الواعدين والمبدعين وخاصة من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة لعدم وجود جهات تأخذ بأيديهم وتمنحهم المقدرات الكافية لإبراز إبداعاتهم وعطاءاتهم وتوظيفها في خدمة الوطن ومستقبله هو نوع من فقدان الأبناء، وتضييع مقدراتهم وقواهم، وتعطيل مجالات خدمتهم لبلدهم ولأهلهم ولصناعة مستقبلهم ومستقبل الوطن من خلالهم.
ورغم أن هناك جهات ومؤسسات ومنحا من القيادة على مستوياتها المختلفة لمساعدة الشباب وتبني إبداعاتهم، وتعزيز مشاركاتهم فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض، إلا أننا يجب أن نعترف أن هناك شريحة عريضة وكبيرة من أبناء الوطن هم نهب القلق والتيارات السلبية، وتعطيل المقدرات والانحراف بهم عن جادة الصواب الوطنية. وهذا ما أتطلع إلى إيجاد برامج وخطط وطنية ناجزة لمعالجته؛ كي لا تفقد البحرين أبناءها الشباب. كما فقدت في يوم حزين ولدي حمد. رحم الله حمد بن رجب، وأسكنه فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية