العدد 2679
الأحد 14 فبراير 2016
banner
كيف نجدد الميثاق نصًا وروحًا.. ونحافظ على مكتسباته..؟ منصور حسن بن رجب
منصور حسن بن رجب
الأحد 14 فبراير 2016

في مثل هذا اليوم الربيعي من شهر فبراير قبل 15 سنة، أجمعت البحرين رأيها ورؤيتها ويقينها وثقتها، وحملتها بيد بيضاء ناصعة الوطنية والإرادة ووضعتها مع كلمة (نعم) في صناديق الاقتراع، فكان الميثاق. وكان المشروع الإصلاحي الذي قاد إلى سلسلة من التغيير والتطوير والتحسين إلى مسيرة العمل الوطني البحريني، وإلى مضمون الحراك السياسي العام في البلاد وفي الدستور والعمل الحكومي والتشريعي والمؤسسي، فكان الميثاق بذلك مرجعية وطنية وفكرية لقيام المملكة، ولمسيرتها التاريخية منذ (ذلك اليوم الربيعي من شهر فبراير) كما وصفه جلالة الملك، وهو يكتب عنه في أحاديث جلالته الثلاثة المنشورة في الوعي السياسي.
وحتى وقتنا الحاضر، فإن ميثاق العمل الوطني الذي اقترعنا عليه جميعاً، وشاركنا جميعاً في صياغته، لا يزال يشكل وثيقة وطنية مرجعية، توازي الدستور من حيث القيمة والحضور والمرجعية، وتمثل أساساً لكل التفاهمات والتوافقات التي انبنت عليها فيما بعد عبر الحوارات الوطنية التي شهدتها البلاد، وخرجت منها بمقررات وإضافات وتغييرات تنظيمية وتشريعية وإدارية وقانونية. وأخرى متصلة بشكل وطبيعة النظام السياسي.
أكتب ذلك في هذا اليوم تحديداً لأقول، إننا وبالرغم من كل الأحداث والحوادث والأزمات التي شهدتها البلاد وعايشتها واستطاعت تجاوزها بفضل الله وبحكمة القيادة ووعي الشعب، فإننا لا نزال نعيش الميثاق ونتفيأ ظلاله ونسير وفق نهجه ومقرراته، ليس بالنسبة للأفراد والمواطنين فحسب، بل على مستوى القيادة ومؤسسات الدولة وسلطاتها ومرجعياتها السياسية والوطنية والقانونية والتشريعية! وهذا ما يجب أن يعرفه الطالب في المدرسة وفي الجامعة، وما ينبغي أن يفهمه السياسي والنائب وعضو الشورى والمسئول والكاتب ورجل الدين والناشط في مجالات العمل العام والمدني والحقوقي.
فالحوارات التي شهدتها البلاد، جرت تحت مظلة الميثاق ووفقاً لمرجعياته، والتعديلات الدستورية والتنظيمية جاءت ضمن طيف الميثاق ووفقاً لمرجعيته، فالميثاق الوطني البحريني تميز عن غيره من المواثيق العربية التي سبقته، والتي جاءت بعده، بأنه لم يكن مجرد محطة مرحلية في الحياة السياسية للبلاد، بل كان ومازال مرجعية وطنية راسخة تميزت بالفاعلية التنفيذية، والتأثير العظيم الجدوى في عملية تغيير السياقين التاريخي والسياسي في المملكة.
وفي كلمته السامية التي دشن بها ميثاق العمل الوطني، وصف جلالة العاهل المفدى تلك اللحظة بأنها (لحظة مجيدة في مسيرتنا المشرفة، ويوم أغر في تاريخ البحرين). وعندما كتب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بعضاً من ذكرياته وانطباعاته عن يوم الاقتراع على ميثاق العمل الوطني، قال: (إن صور ـ ذلك اليوم الربيعي من شهر فبراير ـ ستبقى حية في وجداني.. بما مثلته من بيعة متجددة، وتفويض وطني لنا بقيادة المسيرة إلى آفاقها الجديدة).
وما نريد أن نقوله اليوم، إن تلك اللحظات المجيدة، لا تزال بين يدينا إن اجتمعت إرادتنا الوطنية والشعبية على تجديدها. وإن ذلك اليوم الأغر من تاريخنا، لا يزال بين أعيننا، إن التقت قلوبنا وأفئدتنا ونوايانا على أن نجدده ونعيده كما كان. يوماً للآمال المشرقة، ويوماً للقلوب المتسامحة، والنفوس الرضية، والعزائم الوطنية الصادقة، والتي ترى ما تحيكه الأيدي والعقول الشريرة لغيرنا، وما حاولت وتحاول أن تحيكه لنا، فنجمع قرارنا وإرادتنا معاً من جديد ومرة أخرى لنجعل من البحرين عنواناً رئيساً لكل أجنداتنا وبرامجنا ونقطة اتجاه لكل بوصلاتنا وهدفاً سامياً لنوايانا وتوافقاتنا. ولا يزال الميثاق الوطني بنصوصه ومرجعياته الرمزية والمعنوية صالحا ومؤهلاً لكي يستوعب أي إجماع وطني جديد على نبذ الشقاق وتكريس الاتفاق وتجديد روح الميثاق.
إن الأمم والشعوب التي صنعت المواثيق، لم تلجأ إلى تلك المواثيق؛ لأنها كانت تعيش في بحبوحة من السياسة والاقتصاد والحريات والتشريعات، بل لأنها كانت تواجه أزمات ما، بعضها حقيقي وبعضها مفتعل، وبعضها مبالغ فيه. وكطريق وطني جامع للشتات وناظم للفرقة وموحد للشمل، فإن خيار المواثيق الوطنية كان دائما هو الطريق الأفضل والأسلم لتصحيح المسيرة وإعادة الأمور إلى نصابها الوطني الذي ينبغي أن تكون عليه.
ولهذا جاء ميثاقنا الوطني الذي أجمعنا عليه بلا استثناء، وأيدناه بلا استثناء، واستطعنا به أن نحل كثيراً من العقد التي توهم البعض أنها لن تحل، ونجحنا من خلاله في إنجاز ما استقطب إعجاب الدنيا بأسرها. ومن يريد أن يتبين الحقيقة، فليس عليه سوى أن يقوم بكبسات محدودة على جهاز الكمبيوتر ويسترجع تلك التقارير الباهية الزاهية الحافلة بالمديح والثناء والإعجاب التي تسابقت الدول والحكومات والمنظمات لتوجيهها للبحرين قيادة وحكومة وشعبا في تلك المرحلة!
والمعنى أن الأمة التي صنعت الميثاق لا تزال على العهد بها، والقائد الرائد والملك الإصلاحي الذي صنع الميثاق لا يزال على العهد به، وما نحتاجه اليوم أن نستعيد تلك النفحات، ونتخذ قرارنا بعيداً عن أي تاثير خارجي، ونعيد التفافنا حول رايتنا وقيادتنا، بل حول أنفسنا كأخوة وأهل وأسرة في وطن واحد، ونلتقي عند توافقات ميثاقية تتجدد معها المسيرة وتتوحد معها الإرادة، ونصلح ما أفسده الدهر والتدخلات الخارجية.
في ذكرى الميثاق، ليس المطلوب هو تمجيد الميثاق وتقديسه، بقدر ما ينبغي لنا استلهام معطياته والظروف الإيجابية التي أفضت إليه، والتوافقات التي عبدت الطريق له، والتسامحات التي ترافقت معه، والروح الإيجابية التي صاغته واقترعت عليه وعملت على تفعيله. هذا بالضبط ما نحتاجه اليوم قبل الغد. وهذا بالضبط ما ندعو إليه اليوم والآن وهنا. وكل عام وأنتم الوطن والقائد بألف خير، وقلوبنا مجتمعة على الخير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية